مقدمة

 في 25 يناير 2011 خرجت جموع المصريين الغاضبين تحمل رسالة واضحة ضد جهاز الشرطة أثناء احتفاله بعيده مفادها: "لن نقبل القمع بعد اليوم". وبعد مرور عامين على قيام ثورة يناير لا تبدو إرادة الدولة والقائمين على جهاز الشرطة بعيدة عن نفس الأساليب القمعية التي كانت تستخدم قبل اندلاع الثورة، بينما تبدو بعيدة كل البعد عن إحداث تغيير وإصلاح حقيقي في منظومة العمل الشرطي بما يصون كرامة المواطن وحفظ الأمن وتحقيق العدالة. فلا زالت انتهاكات الشرطة منهجية، وتحكم عمل رجل الشرطة ذات القوانين وذات السياسات، ولازالت النيابة العامة تعمل من أجل تحصين رجال الشرطة من العقاب ووضعهم فوق المسائلة.

طوال عام 2011 ومنذ خلع الرئيس السابق دأبت القوى الديمقراطية والثورية والمنظمات الحقوقية على المطالبة بإدخال الإصلاحات الضرورية في بنية وعقيدة الجهاز الشرطي، وحذرت مرارا وتكرارا من أن التراخي في تطبيق هذه الإصلاحات سيعود بنا إلى نفس النقطة كنا عندها عندما اندلعت في يوم "عيد الشرطة" ثورة شعبية تواصلت حتى الإطاحة برأس النظام.

يظهر هذا التقرير بوضوح كامل أن هذا السيناريو هو ما تحقق بالضبط. فقد انطلق رجال الشرطة دون أي رقيب أو رادع ليعملوا آلة القتل والتعذيب في المصريين من جديد بعد شهور معدودة من اندلاع ثورة 25 يناير 2011. وستستمر آلة القتل هذه في العمل دون توقف طالما صمت مسئولو الدولة وتواطأوا على جرائمها ظنا منهم أن وجود آلة القمع الشرطي ضرورة لضمان استقرار حكمهم، وكأنها نجحت في حماية حكم مبارك.    

يضم هذا التقرير نتائج تحقيقات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في 16 من وقائع العنف الشرطي التي وقعت على مدى أربعة أشهر ـ  من بداية يوليو 2012 وحتى نهاية  أكتوبر من العام نفسه. وقد وقعت الحالات الموثقة في هذا التقرير على نطاق 11 محافظة هي: القاهرة والجيزة وبني سويف والاسماعيلية والبحيرة والأسكندرية والدقهلية وسوهاج وشمال سيناء وجنوب سيناء وقنا. وكانت حصيلة الحالات التي تم رصدها، والتي لا تمثل إلا عينة من الانتهاكات المستمرة بشكل يومي على يد الشرطة: مقتل 11 شخصا عن طريق الاستخدام غير القانوني للقوة أو الإطلاق العشوائي للرصاص في المجال العام، وتعذيب ثلاثة أشخاص آخرين حتى الموت داخل أقسام الشرطة، بالإضافة إلى العديد من حالات التعذيب وسوء المعاملة في الأقسام وأماكن الاحتجاز الأخرى التابعة للشرطة.

كما يضم التقرير قائمة بسبع (7) حالات أخرى وقعت خلال الفترة المذكورة لوفيات داخل السجون وأقسام الشرطة توجد بها شبهة تعذيب أدى إلى الوفاة. 

حرصت المبادرة المصرية على توثيق هذه الوقائع من خلال مقابلات مع الشهود والمصابين من الضحايا، ومعاينة مكان الحادث في بعض الحالات، بالإضافة إلى الاطلاع على التقارير الطبية وشهادات الوفاة والصور والفيديوهات وفوارغ الطلقات. كما حصلت المبادرة المصرية على توكيلات من الضحايا أو ذويهم في أغلب هذه القضايا حيث يقوم محاموها بمتابعة التحقيقات فيها.

 

القتل والتعذيب على يد الشرطة

لا تمثل الحالات المعروضة في هذا الفصل حصراً بالانتهاكات التي وقعت من قبل رجال الشرطة خلال الشهور الأربعة التي يرصدها هذا التقرير، إلا أنها تشير بجلاء إلى نمط واضح من الاستخدام المفرط وغير القانوني للعنف واللجوء لإطلاق الأعيرة النارية من قبل رجال الشرطة، سواء كان ذلك خلال محاولة القبض على الأشخاص أو تنفيذ الأحكام أو التعامل مع المتظاهرين.

وتصل الانتهاكات أحيانا إلى حد العنف الذي لا يمكن وصفه بمجرد العنف المفرط،  بل يشكل بوضوح وقائع "قتل عمدي"، إما عبر استخدام الأسلحة النارية في غياب المبررات القانونية للجوء إليها، أو عبر تعذيب الأفراد داخل أقسام الشرطة، بما أدى في حالات عديدة إلى مقتلهم تحت التعذيب.

 

2 يوليو 2012: مقتل أربعة على يد ضباط وجنود معسكر قوات الأمن ببني سويف

على إثر مشادة نشبت بين بعض المجندين وأحد أبناء القرية، هاجمت مجموعة من ضباط وجنود معسكر قوات الأمن المجاور لقرية أبو سليم بمحافظة بني سويف سكان القرية. يردد البعض أن مجموعة من المجندين قد تعرضوا للنصب على يد أحد المراهقين من أبناء القرية، بينما لم يمكن تأكيد هذه الرواية. عمدت مجموعة مجندي وضباط المعسكر الذين قدر سكان القرية عددهم بما يجاوز المئة للهجوم على القرية مرتين، وقعت أولاهما في وقت متأخر من يوم الأربعاء الموافق 1 يوليو. فوجئ السكان في هذه الليلة بالجنود يقتحمون القرية ويبادرون بضرب المارة وتحطيم الأكشاك وإلقاء البضاعة المعروضة على الطريق، كما تم تحطيم سيارة أجرة واحدة. ولم يتبين الأهالي آنذاك السبب في حملة التأديب التي لم تستمر طويلاً قبل أن ينسحب جنود الأمن عائدين إلى معسكرهم. الهجوم الثاني وقع في صبيحة يوم الخميس 2 يوليو بعدما كانت النيابة قد وصلت لقرية أبو سليم للتحقيق في شكاوى المواطنين. كان بعض الأهالي قد تلقوا مكالمة من نائب مدير أمن بني سويف بادر فيها بالاعتذار عما بدر من قوات الأمن في اليوم السابق، ووعد بالنظر في مطلبهم بنقل معسكر قوات الأمن بعيداً عن القرية. ظهر الخميس قامت مجموعة أخرى تجاوز المئة (حسب تقدير بعض الأهالي) تضم جنوداً وضباطا من معسكر الأمن المركزي بهجوم أكثر عنفاً خلف أربعة قتلى من أبناء القرية، اثنان منهم قتلا في موقع الهجوم بينما فاضت روحا اثنين آخرين لاحقا متأثرين بجراحهما. والضحايا الأربعة هم: محمود حامد فهمي، وجابر سعيد عبد الجيد، وجمال رجب، وجابر سيد محمد.

وتشير شهادات الأهالي لاستخدام قوات الأمن في هجومها الثاني للغاز المسيل للدموع علاوة علي الذخيرة الحية. وأظهرت دلائل قوة ووحشية الهجوم رغبة في الانتقام من الأهالي، رغم أنه لم تحدث أية احتكاكات بين الأهالي وقوات المعسكر بعد الهجمة الأولى، وساعتها ارتضى الأهالي مبادرة نائب مدير الأمن بالاعتذار والتصالح.

 

يرجح بعض الأهالي أن سبب الهجوم قد يكون مرتبطا بالشكاوى التي كان قد تقدم بها الأهالي لقائد المعسكر أكثر من مرة. ويشيرون بالخصوص لتلك الشكاوى من تصرفات بعض الجنود وتحرشهم ببنات القرية قبل المشادة المشار اليها أعلاه بعدة أسابيع.

وكان باحثو المبادرة المصرية قد زاروا عدداً من المصابين في المستشفى العام ببني سويف، وقاموا بجمع الشهادات أيضا من سكان القرية الذين شهدوا الواقعة. وأجمع الشهود على أن الهجوم العنيف الذي قامت به قوات الأمن يظل غير مبرر وغير مفهوم في ضوء علاقة جيدة بين القرية والمعسكر لم يشبها أي اضطراب أو عنف سواء قبل أو بعد الثورة.

وقد روى شهود أن الجنود والضباط استخدموا بإفراط خلال الهجمة الثانية قنابل الغاز والرصاص، بما أسفرت عن مصرع الضحايا الأربعة بالرصاص الحي.

كما تحدث باحثو المبادرة المصرية إلى شخصين مصابين بطلقات نارية نافذة هما أحمد حامد فهمي وعمرو محمد.

وقد روى شاهد آخر شهاداته عن سقوط أحد القتلى الأربعة وهو جابر سعيد (21 سنة) في الهجوم الثاني الذي وقع ظهيرة الخميس. وأوضح الشاهد أن جابر كان يقف عند مدخل القرية مع بدء هجوم قوات الأمن، فطارده الجنود بينما كان الشاهد وآخرون يستجدونه للجري بإيقاع أسرع لكن الجنود لحقوا به وأسقطوه أرضا وانهالوا عليه طعنا بالسونكي في أحد رجليه وفي بطنه، ثم أطلقوا عليه رصاصة اخترقت كتفه وخرجت من بطنه. وقد توفى الضحية لاحقا في المستشفى بعد أن ظل ينزف أربع ساعات، على حد تأكيد عدد من الأهالي.

كانت النيابة العامة قد تولت التحقيق في واقعة الهجوم الأول وساعتها قدم الأهالي للنيابة فوارغ الطلقات وعبوات الغاز المسيل للدموع التي أطلقت عليهم. ورغم ذلك لم توجه النيابة العامة أي تهم لضباط أو جنود حتى الآن، بينما اكتفت أجهزة الأمن بتقديم بعض التعويضات المالية للأهالي علاوة على علاج بعض المصابين على نفقة وزارة الداخلية.

 

6 يوليو 2012: تعدي أفراد شرطة على محامين داخل قسم مدينة نصر - القاهرة

تشير تحقيقات المبادرة المصرية أن الواقعة بدأت عندما توجه المحامي محمد عبد العزيز إلى قسم أول مدينة نصر بصحبة موكلتين له لأداء عمل، وأثناء تعامله مع أحد أمناء الشرطة اشتبكا في مشادة كلامية، فألقى أمين الشرطة دفتراً في وجهه، فاشتبك المحامي بدوره معه لفظياً. على إثر هذا التلاسن تدخلت مجموعة من أفراد القسم وتعدت على المحامي بالضرب المبرح بعد أن قاموا بتقييده بالكلابشات، ثم ألقوه في حجز القسم.

هرع عدد من زملاء المحامي إلى القسم بعد أن نما إلى علمهم ما جرى، وعندما رأوا حالة زميلهم تمسكوا بتحرير محضر إثبات حالة ورفضوا كل محاولة للصلح بين المحامي وقوة القسم المعتدية. نشبت مشادة مرة أخرى مع المحامين الغاضبين، فما كان من قوة القسم إلا أن اعتدت على المحامين بالضرب، وأسفر ذلك عن وقوع إصابات بالغة لعدد من المحامين، منها إصابات بارتجاج في المخ وكسور بعظام الصدر. وخلال الاشتباك تعرض أحد أعضاء مجلس نقابة المحامين للإغماء من أثر الاعتداء.

تطورالأمر سريعاً بأن توافدت أعداد من المحامين قامت بمحاصرة القسم وغلقه بالكامل والاعتصام أمامه. ثم بادرت قوة القسم بإطلاق طلقات نارية في الهواء ترهيبا للمعتصمين لكي يتفرقوا، فبادلهم المعتصمون بإلقاء الطوب والزجاج. في هذه الأثناء وصلت قوة من الجيش لتأمين المكان، وأعيد فتح أبواب القسم، وتم السماح لسيارة إسعاف بالدخول للمحامين المصابين بعد أكثر من ساعة، حيث نقلتهم إلى مستشفى حسبو الدولي.

يذكر أن بعض المصادر الصحفية قد نقلت تصريحات لوزارة الداخلية بأن خمسة من أفراد الأمن قد أصيبوا خلال نفس الأحداث.

 

26 يوليو 2012: تعذيب رامي ممدوح إسماعيل في مكان عمله على يد قوة من قسم شرطة الإسماعيلية ثالث

 توجه لواء شرطة متقاعد يدعي مجدي عبد الله المحمدي لمقر شركة للتكييفات يعمل بها رامي ممدوح إسماعيل، بعد أن قدم هاتفياً شكوى لرامي بخصوص جهاز التكييف الخاص به، ولم يعجبه الرد. في طريقه قام اللواء بالاتصال بنجله محمد المحمدي الذي يعمل ضابطا بقسم شرطة الإسماعيلية ثالث ليحضر لمقر الشركة. حضر الضابط بصحبة أربعة من أفراد الشرطة واعتدوا جميعا على رامي وأوسعوه ضربا وسحلاً حتي أغشي عليه. ثم قاموا بوضعه بعربة شرطة واصطحبوه معهم لقسم شرطة الإسماعيلية أول  حيث استمروا في إهانته وهددوه بتحرير محضر ضده مالم يقم بسداد المبلغ محل النزاع مع الشركة من أموال عملاء آخرين.

ورغم تهديدات الضباط ومحاولة ترويعه لمنعه من تقديم بلاغ، قام رامي بتوكيل محامي المبادرة المصرية وتقديم البلاغ رقم 2512 لسنة 2012 جنح أول الإسماعيلية، وقامت النيابة العامة بسماع أقوال اثنين من الشهود في شهر سبتمبر إلا أنه وحتى كتابة هذا التقرير لم توجه النيابة العامة أي اتهام ضد الضابط ووالده ولم تأمر بضبطهم. كما تقدم رامي أيضا بشكوى لوزارة الداخلية ضد الضابط ووالده، وأخرى للمجلس القومي لحقوق الإنسان.

 

2 أغسطس 2012: قتل وحملات ترويع واعتقالات عشوائية متكررة لأهل رملة بولاق - القاهرة

وقعت اشتباكات بين قوات الشرطة وأهالي منطقة رملة بولاق بعد أن قام ضابط بشرطة السياحة بإطلاق الرصاص على أحد سكان المنطقة (ويدعى عمرو البني) فأرداه قتيلا.

وقد رصدت تحقيقات المبادرة المصرية طائفة واسعة من الانتهاكات التي قامت بها الشرطة في هذه الحادثة، كما كشفت عن تطور للأحداث يناقض كليا الرواية السائدة إعلامياً بشأنها.

أكدت شهادات متطابقة لعدد من الأهالي أن بعض شباب المنطقة- من بينهم من تم احتجازهم والتحقيق معهم- كانوا يعملون برواتب شهرية في تأمين أبراج نايل سيتي، وذلك عقب الانهيار الأمني وغياب الشرطة نهاية يناير 2011، ثم تأخرت إدارة الأبراج في سداد مستحقاتهم. وأجمع شهود العيان على أن القتيل عمرو البني لم تكن بحوزته أي أسلحة، وأنه ذهب إلى الفندق لتحصيل مستحقاته الشهرية كما اعتاد في بداية كل شهر، ونشبت مشادة بينه وبين أمن الفندق بعد أن منعوه من الدخول، ورفضوا دفع مستحقاته الشهرية طبقا لتعليمات مدير أمن الفندق الجديد.

كما أكد العديد من الشهود أن الضابط أطلق رصاصة من مسدسه أصابت ساق القتيل وأسقطته أرضا ـ وهو ما كان كافيا لدرء الخطر في حالة وجوده وفي هذه الحالة يتعين على ضابط الشرطة محاولة القبض عليه وإسعافه ـ  ولكن ضابط الشرطة عاجله برصاصة أخرى قتلته في الحال دون وجود أي ضرورة وفي ظروف تشير إلى جريمة قتل عمدي. وعقب مقتل عمرو البني وصل أحد أقاربه محاولا إسعافه وهو أنور رمضان، فتعرض أيضا لإطلاق الرصاص وأصيب بطلقة في  ساقه، وعند وصول ابنه وعدد آخر من سكان الرملة لإسعافه أصيبوا بدورهم برصاص ضابط الشرطة.

وبعد وصول هذه الأنباء إلى أهالي رملة بولاق خرج عدد منهم وقاموا بتحطيم واجهة الفندق وإشعال النيران في عدد من السيارات المتواجدة أمامه على كورنيش النيل، فتدخلت قوات الأمن المركزي واستمرت في مطاردة الأهالي إلى داخل منطقة رملة بولاق.

اتسم تدخل قوات الأمن المركزي بالعنف المفرط غير الضروري، فقد لجأت إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع داخل العشش في رملة بولاق، وقامت الشرطة بعدها بحملة قبض عشوائي لسبعة عشر من أهالي المنطقة، وتوجيه تهم معدة مسبقا لهم جميعا منها حيازة سلاح أبيض وبلطجة وإتلاف منشأة سياحية.

وقد التقى باحثو المبادرة المصرية بأهل عبد الله أنور رمضان، وهو طفل يبلغ من العمر 14 عاما تم القبض عليه يوم 3 أغسطس وتعرض للتعذيب المبرح داخل قسم شرطة بولاق حتى فقد أغلب أسنانه الأمامية نتيجة للضرب.

كما تعرضت المنطقة لعدد من مداهمات الشرطة لاحقا، أولها كان في يوم 8 أغسطس حين قامت قوات الشرطة بتحطيم محتويات المنازل وترويع الساكنين فيها، وقد وثق باحثو المبادرة المصرية حجم الدمار  الذي أحدثته هذه الحملة بمنازل ساكني المنطقة. وذكر أهالي المنطقة أن الضباط الذين شاركوا في عملية المداهمة كانوا ملثمين حتى لا يتم التعرف على هوياتهم، وأنهم قاموا بالتعدي بالسباب والضرب على الرجال والنساء دون تمييز.

وذكرت إحدى الشاهدات أن رجال الشرطة أثناء اعتدائهم على الأهالي كانوا يقولون "فين رجالة 25 يناير؟ فين رجالة الثورة يورونا نفسهم؟"

كما تواترت شهادات عن قيام قوات الشرطة بسرقة أموال من بعض المنازل. واستمرت المداهمات العنيفة من الشرطة ـ فيما يمكن وصفه بالعقاب الجماعي لسكان رملة بولاق ـ بشكل متقطع طوال شهري أغسطس وسبتمبر.

كما قامت قوات الشرطة بعمليات اختطاف لأكثر من شخص من سكان المنطقة واحتجازهم كرهائن من أجل الضغط عليهم للإرشاد عن أقاربهم أو دفع أقاربهم لتسليم أنفسهم. وقد عبر الكثير من سكان الرملة ممن تحدث إليهم باحثو المبادرة المصرية عن خشيتهم من أن تكون حملة الترويع تلك جزءاً من الضغوط التي تمارسها الشركة المالكة لأبراج نايل سيتي من أجل شراء الأراضي ذات القيمة المرتفعة والتي يقيم عليها الأهالي منذ عقود طويلة وتقع خلف الأبراج مباشرة.

وقد قام بعض أهالي الرملة بتوكيل محامين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية لمتابعة قضايا الإزالة والتحقيقات الجارية مع المقبوض عليهم.

 

16 اغسطس 2012: تعذيب  سامح محروس فودة حتى الموت في قسم شبرا الخيمة ـ القليوبية

طبقا لشهادات الأهالي للمبادرة المصرية،  فقد اقتيد سامح محروس فودة، وهو سباك مقيم في قرية الشراقوة بالقليوبية، إلى قسم شبرا الخيمة في أعقاب مشاجرة. وبعد مرور نصف ساعة قام أحد ضباط القسم بالاتصال بأقاربه لاستلامه من القسم بعد أن دخل في حالة غيبوبة، فقام أهل المجني عليه بإحضار عربة  إسعاف للذهاب به إلى مستشفى معهد ناصر. غير أن المسعفين اكشتفوا أثناء توقيع الكشف على المجني عليه أنه قد فارق الحياة.

ذهب أهل المجني عليه إلى المستشفى لعمل تقرير طبي عن سبب الوفاة، حيث جاء في التقرير أن الجثة بها كسر بالأنف وأن سبب الوفاة توقف بعضلة القلب.

وأفاد شاهد عيان كان محتجزاً بالقسم أن المجني عليه تعرض للضرب على يد أفراد شرطة القسم بمؤخرات الطبنجات، وأنه فور وصوله للقسم جرى تقييده من يديه ورجليه، وانهال عليه أفراد القسم ضرباً لمدة جاوزت نصف الساعة. 

وعلى إثر وفاته عمد أهالي قرية الشراقوة إلى قطع طريق الإسكندرية الزراعي احتجاجاً علي مصرع جارهم. وفي فجر اليوم التالي جاءت قوة من قسم الشرطة وقامت بفض الاعتصام باقوة، كما اقتحمت عدة منازل وقامت بتكسير أثاثها طبقا لشهادات أهالي القرية. وكان من بين المنازل التي تعرضت للمداهمة منزل مصطفى محروس شقيق المجني عليه. وقامت قوات الشرطة بترويع السكان وتحذيرهم من معاودة الاحتجاج أو التجمهر خارج القسم وهددتهم  بإطلاق الرصاص عليهم. كما قامت بالقبض على أربعة أشخاص ظلوا محتجزين على ذمة القضية، التي تم قيدها برقم 14033 لسنة 2012 جنح شبرا الخيمة، ولم يخلى سبيلهم حتى يوم 31 ديسمبر 2012.

وفي حين تدعي الشرطة أن سامح توفي داخل القسم لأسباب طبيعية، فإن أهل القتيل يقولون إن ضباط مباحث القسم قد حاولوا تلفيق قضية للمتوفي، رغم أنه – بحسب قولهم - لا يملك سجلاً جنائياً. فيما أكد أهالي القرية أن الضحية كان شخصاً حسن السير والسلوك. وقد ظل ضباط مباحث القسم يمارسون الضغوط على أسرة القتيل التي أصرت على اتخاذ الإجراءات القانونية. وحاول مصطفى محروس شقيق المجني عليه مقابلة وزير الداخلية عندما قام الأخير بزيارة القسم في أعقاب الحادثة إلا أن ضباط القسم لم يسمحوا له بمقابلة الوزير وقاموا بالاعتداء عليه بالضرب ومنعه من دخول القسم.

وقد صرح محامى المجنى عليه للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بأن تقرير الطب الشرعي المبدئي  قد جاء فيه "أنه بتشريح جثمان المتوفى اتضح أن سبب الوفاة هو احتقان حشوي بالمعدة بالإضافة إلى وجود كسر بالأنف وسحجات بالركبتين."

 

29 أغسطس 2012: الاعتداء على محمد السنهوري بتهمة "تصوير أفراد شرطة المرافق" – كفر الدوار – البحيرة

أثناء مرور محمد عبد العزيز السنهوري، والذى يعمل محرراً صحفيا بعدة صحف منها جريدة الغد الحزبية،  بشارع بورسعيد بمدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة شاهد مجموعة من قوات الأمن وشرطة المرافق خلال قيامهم بطرد البائعين من على جسر يعرف بالكوبري الواطى، بطريقة قال إنها كانت "غير آدمية ومهينة وتتسم بالقسوة". سارع السنهوري بإخراج هاتفه المحمول بغية تصوير تلك الانتهاكات، ولدى ملاحظة بعض أفراد قوات الأمن له قاموا بمطاردته وتوقيفه والاعتداء عليه بالضرب والسب، ثم اصطحبوه وهم يكيلون له اللكمات والصفعات وضربات العصي إلى داخل إحدى سيارات الشرطة، واستولوا على هاتفه المحمول المستخدم في التصوير حيث قاموا بمسح المقاطع التي كان قد قام بتصويرها لهم وهم يقومون بإتلاف بضاعة أحد الباعة (والتي تضم ريسيفرات وأطباق التقاط أقمار صناعية).

وبعد أن أبلغ المجنى عليه أفراد الحملة بأنه صحفي وناشط حقوقي قاموا بإنزاله من السيارة وذلك بعد أن قاموا بمسح بقية الصور التي كان قد التقطها لرجال الأمن أثناء تعديهم على الباعة.

توجه المجنى عليه بعدها إلى النيابة العامة لتقديم بلاغ بما حدث، إلا أن مدير نيابة كفر الدوار قرر تأجيل سماع أقواله للأول من سبتمبر، كما رفض منحه إذنا بتوقيع الكشف الطبي عليه وإثبات حالته الصحية بعد الاعتداء. وبعد إصرار المجنى عليه على تحرير محضر بالواقعة استجابت النيابة ولكنها رفضت إعطاءه رقم المحضر.

وقد نما إلى علم محامي المبادرة المصرية الموكل من المجني عليه أن المحضر قد تحرر برقم (3658 لسنة 2012 - إداري كفر الدوار) وتم حفظه دون أن تقوم النيابة بأي تحرك جدى للتحقيق في الواقعة.

29 أغسطس 2012: الاعتداء على الطالب عماد أبو اليزيد وتعذيبه بتهمة "إهانة الباشا" – الإسكندرية

ذهب عماد أبو اليزيد (18 سنة) إلى إدارة جامعة الإسكندرية بمنطقة الشاطبي لتقديم طلب تحويل من جامعة حلوان إلى جامعة الإسكندرية، وعند وصوله فوجئ بمئات الطلبة ينتظرون حل نفس المشكلة، والتي تتعلق بوجود نظامين للتنسيق أحدهما إليكتروني والآخر ورقي ورفض طلبات التحويل الإلكترونية التي قام الطلاب بتقديمها. طلب الطلبة الوصول لأي مسئول بإدارة الجامعة لعرض مشكلتهم عليه إلا أنهم لم يجدوا سوى أربعة موظفين لم يقدموا لهم أي مساعدة بل قاموا أيضا بطردهم من المبنى.

علي أثر ذلك قام الطلاب بتنظيم وقفة احتجاجية عفوية ـ على عكس ما نشر في بعض التقارير الصحفية التي ذكرت أن الوقفة كان معدا لها مسبقا ـ وأثناء الوقفة لاحظ الطلاب بعض الأشخاص يرتدون الزى المدني ويتحركون بينهم بشكل مثير للريبة ثم يذهبون للتحدث مع شخص يرتدى ملابس مدنية ويضع علي عينيه نظارة سوداء وكأنهم يتلقون منه التعليمات. كان هذا الشخص يقوم بتصوير الوقفة من خلال هاتفه المحمول ويتعمد التركيز على وجوه الطلبة.

توجه عماد إلى هذا الشخص الذى اتضح فيما بعد أنه ضابط شرطة برتبة رائد ويدعى خالد السقا، وسأله عماد عن سبب قيامه بتصويرهم والتركيز على وجوههم فأجابه الضابط: "وانت مال أهلك؟" ، وتطور الأمر لحدوث مشادة كلامية بينهما مما أثار غضب الرائد خالد ودفعه إلى سحب عماد وسحله على الأرض بمعاونة بعض المخبرين وصولا إلى الشارع الخلفي لإدارة الجامعة. ثم أمر الضابط المخبرين بإلقائه في سيارة نصف نقل بيضاء كانت في انتظار القوة الأمنية، وقام أفراد شرطة يرتدون زياً مدنياً بتقييد عماد ثم نزعوا عنه حزامه وانهالوا به ضرباً علي مناطق متفرقة من جسده.

حاول الطلاب المشاركون في الوقفة تخليص زميلهم من يد القوة لكن محاولاتهم باءت بالفشل. وصلت القوة التي اختطفت عماد إلى قسم باب شرق حيث تم احتجازه في غرفة منفردة قاموا فيها بضربه وسبه وتهديده بتلفيق قضايا له، بل وهددوه أيضا بالقبض على أهله لأنه بحسب قولهم "أهان الباشا".

بعد ثلاث ساعات حضرت والدة الطالب، وهي الدكتورة عزة الوزيري وتعمل بأحد المراكز البحثية، إلى القسم لدى علمها بما حدث فوجدت ابنها في حالة إعياء شديد وبجسده اصابات. طلب أفراد القسم منها اصطحابه إلى المنزل ولكنها رفضت وطلبت معرفة سبب احتجازه وما تم معه داخل القسم. حضر العقيد حلمي أبو الليل مفتش مباحث الفرقة (ب) بقسم باب شرق وطلب منها أخذ عماد مهدداً إياها بقوله: "والمصحف لو ما أخدتى إبنك دلوقتى هايتسجن وماهوش طالع".

أصرت والدة عماد على تحرير محضر بواقعة الاعتداء اتهمت فيه الرائد خالد السقا بضرب ابنها واحتجازه دون وجه حق بالقسم. وفوجئت الأسرة أثناء ذلك بحضور الأستاذ صابر أبو الفتوح عضو مجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة والذي طلب من الأسرة التنازل عن المحضر وحل الموضوع بصورة ودية.

وعندما رفضت والدة عماد حضر الرائد خالد السقا وطلب منهم التنازل عن المحضر مقابل الإفراج عن عماد وإنهاء الأمر بشكل ودى، مما اضطر الأسرة للرضوخ لهذه الضغوط والتنازل عن المحضر. ولكنهم فوجئوا بعد ذلك بمخالفة الضابط لوعده، حيث قام بإحالة عماد للنيابة وفق محضر يتهمه بالاعتداء على ضابط أثناء تأدية وظيفته، وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة، وكذلك مقاومة السلطات، والاعتداء بالضرب على مواطن يدعى أحمد شفيق، إضافة لثلاثة محاضر أخرى تتهم عماد بإتلاف سيارات خاصة ويدعى أصحابها أن الطالب قام بتكسيرها في نفس التوقيت الذى كان متواجدا فيه بقسم الشرطة.

وعندما تم عرضه على النيابة العامة في 30 أغسطس طلب عماد إحالته إلى الطب الشرعي، كما قامت النيابة بالاستماع إلى شهادة زملائه الذين حضروا واقعة القبض والاعتداء عليه، وأمرت النيابة بسرعة إحضار تحريات المباحث عن  الواقعة. ومازالت النيابة حتى وقت صدور هذا التقرير في انتظار حضور الضابط خالد السقا المشكو في حقه للإدلاء بأقواله، وفي انتظار ورود تقرير الطب الشرعي. وتم تقييد القضية برقم 26133 لسنة 2012 جنح باب شرق.

 

16 سبتمبر 2012: قتل وتعذيب حتى الموت وإصابات بالرصاص الحي على يد ضباط وأفراد قسم ميت غمر ـ محافظة الدقهلية  

قامت قوة من قسم شرطة ميت غمر بحملة مداهمات على مقاهي المدينة، مارست خلالها وفي أعقابها عنفا شديدا أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ثالث إصابة خطيرة بالإضافة إلي إصابة عدد كبير من المواطنين الآخرين إصابات طفيفة.

وأكدت الأدلة التي جمعها باحثو المبادرة المصرية (ومنها شهادات طبية وصور وفيديوهات تم فيها توثيق شهادات الشهود) أن المشكلة قد بدأت مساء الأحد 16 سبتمبر بقيام قوة من القسم بالهجوم على عدد من المقاهي، وضرب المتواجدين فيها، وتوجيه السباب لهم وتكسير المحال، وهو ما دفع الأهالي إلى أن يعترضوا على هذه المعاملة التعسفية، وتجمهر عدد منهم أمام القسم احتجاجاً عليها. وقد كشفت تحقيقات المبادرة عن وجود رواية مغايرة تماماً لتلك التي ساقتها وزارة الداخلية وحاولت بها التغطية على قيام ضباطها بتعذيب مواطن حتى الموت وقتل وإصابة آخرين باستخدام الذخيرة الحية، حيث سعت وزارة الداخلية إلى إلصاق تهمة الشروع في اقتحام قسم الشرطة بالضحايا ووصفتهم بأنهم مسجلون خطر، وهي الرواية التي تبنتها معظم وسائل الإعلام في البداية.

كان عاطف المنسي، أحد رواد واحدة من تلك المقاهي التي داهمتها الشرطة قد توجه لقسم الشرطة بصحبة والدة محمد عبد اللطيف صاحب المقهى بغرض تحرير محضر ضد الضابط الذي اعتدى على هذه السيدة بالضرب، فما كان من ضباط وأمناء القسم إلا أن اعتدوا على عاطف بكعوب البنادق، واقتادوه لداخل القسم حيث جرى تعذيبه هو وشخص آخر يدعى مصطفى محمد مصطفي.

توفي عاطف جراء التعذيب، واشتعل غضب الأهالي المتجمهرين خارج القسم، وعمدوا لإلقاء الحجارة علي القسم، و لم يحدث أن حاول أحدهم اقتحام بوابة القسم كما ادعت الشرطة وهي التي تبعد 50 مترا على الأقل عن مبنى القسم نفسه.

رغم أن عدد الأهالي الغاضبين كان محدوداً ولم يجاوز العشرين شخصاً، إلا أن ضباط القسم والأمناء خرجوا إلى الشارع وأطلقوا الرصاص من البنادق الآلية بكثافة صوب المتجمهرين والمارة ـ وفقا لإفادة أحد الشهود القاطنين بجوار القسم ـ فأردوا بطلقاتهم السيد عادل محمد عبد اللطيف قتيلاً، كما أصابوا رامي محمد برصاصة في حنجرته رقد بسببها في مستشفى المنصورة لفترة طويلة، فضلا عن إصابة عدد آخر من المارة.

جمع باحثو المبادرة المصرية إفادات لعشرين شاهدا، منهم أشخاص شاركوا في التظاهر، وآخرون تواجدوا في المنطقة لظروف السكن أو العمل، بالإضافة إلى عدد من الشهود الذيت تصادف تواجدهم داخل قسم الشرطة نفسه.

وقد أدلى العديد من هؤلاء الشهود بأسماء الضباط ممن شاركوا في القتل. كما شهد رامي محمد، المصاب برصاصة في الحنجرة باسم الضابط الذي أطلق النار عليه وعلى القتيل السيد عادل عبد اللطيف رغم كونهما أعزلين.

وفي أعقاب وقوع تلك الجرائم، صدر تصريحا الدفن للقتيلين بدون تحديد سبب الوفاة في حالة السيد عبد اللطيف الذي قتل بطلق ناري، وبسبب مغاير للسبب الحقيقي في حالة عاطف الذي تعرض للتعذيب على يد الشرطة حتى الموت، وهو ما دفع المبادرة للتقدم بطلب لنقل التحقيقات خارج مدينة غمر للنيابة الكلية في المنصورة. ورغم أن التحقيقات استمرت لعدة أسابيع إلا أنها تسير ببطء شديد، بينما يتعرض الشهود حتى وقت صدور هذا التقرير لتهديدات ومضايقات من قبل رئيس مباحث قسم ميت غمر بهدف تغيير أقوالهم.

 

23 سبتمبر  2012: مصرع مواطن تحت التعذيب بمركز شرطة طهطا بمحافظة سوهاج

قامت قوة تنفيذ أحكام تتبع مركز شرطة طهطا بمحافظة سوهاج بالتوجه إلى منزل محمد اسماعيل عزام، ويعمل بائع طيور، لتنفيذ حكم صادر ضده بالحبس أسبوعين ودفع غرامة 20 جنيها في قضية تبديد.

دخل إلى المنزل أربعة من رجال شرطة المركز أثناء تناول المجني عليه طعام الغداء مع زوجته وأبنائه ووالدته، وتم الاعتداء عليه بالضرب نتيجة عدم تقبله للإهانة من الضابط، ثم تم اقتياده الى مركز طهطا وتعذيبه حتى الموت.

وقال والد زوجة المجني عليه، محمد طه محمد همام (58 سنه): "يوم الأحد دخلوا عليه وهو بيتغدى مع عياله، فيهم اثنين ضباط ومعرفش التانيين إيه. راح محمد اسماعيل قاله (ياباشا دول عشرين جنيه وأنا هعارض بكرة وآدي البطاقة وشهادة المعافاة من التجنيد وأنا هتغدى وأحصلك). الضابط قال له (بالمرة نستناك تاكل وتشرب الشاى) بتريقة يعني وشتمه وقال له بابن ال... فرد الشتيمة. الضابط ضربه بالقلم. أمه وقتها اتصدرت للضابط بتقول له (عيب عليك) فضربها بالقلم. أنامعرفش أساميهم من بعض لكن هو اللي ضربه لابس تيشرت أحمر. طبعا لما الناس اتجمعت شتموا الناس وبعدوهم من المكان. فراحت امه قالت له (حرام عليك اللي بتعملوه في الناس) فقال لها (والله ما هرجعهولك تاني)."

كما أفاد أحمد نصر الدين، أحد جيران المجني عليه وشاهد العيان على الواقعة، بأن مخبرا يدعي بخيت عبد الجابر أمسك المجني عليه بناء على أوامر من أحد الضباط، بعد أن وجه الضابط الشتيمة للمجني عليه. وأضاف: "هو اشتغل يعافرمعاهم ويقول له أنا عليا معارضة للحكم وانت ملكش حاجه عندي. قام بخيت، ودى أمام عيني ودى اتسأل امام الله فيها، خبطه بإيد المسدس بتاعه وراحوا مركبينه البوكس"ملط". فيه واحد قريبه اسمه سعيد قال لهم استنوا نجيب الجلابية ونديها له. وراح الضابط قال للمجني عليه (والله ما هخليك تشوف البلد دي تاني). ده ضابط مركز طهطا اللي كان لابس فانلة حمراء."

وتابع محمد طه: "أخدوه في البوكس، واشتغلوا فيه ضرب برضو. غابوا بتاع ساعتين، وقالوا لهم تعالوا ده محمد اسماعيل توفى. دى تليفونات من المركز على تليفونات الناس هنا. أخدوه على مركز طهطا، دخلوه في الانفرادي ودخلوا الناس اللي معاه في الحجز. طبعا مع الضرب سقط منهم، ومات مكانه. لما وقع قالوا: "ده اغمى عليه". وقتها المباحث جابت أرقام ناس هنا، وقالوا لهم: "ده محمد اسماعيل توفى". راحوا ودوه المستشفى، الدكتور لقاه ميت، مرضيش يستقبله."

وبعد أن تولت النيابة العامة التحقيقات، تم تشريح الجثة وإصدار تصريح الدفن يوم الاثنين 24 سبتمبر، ولم يذكر تصريح الدفن سبب الوفاة.

28 سبتمبر 2012: مقتل المواطن عبد الهادي عمار على يد عقيد شرطة في شرم الشيخ ـ جنوب سيناء

نشبت مشاجرة بين مجموعتين من المشتغلين بالحراسة الخاصة (بودي جارد) في مدينة شرم الشيخ، وكان عبد الهادى عمار طرفاً فيها، طبقا لشهود رأوا الواقعة وأدلوا بإفاداتهم لباحثي المبادرة المصرية.

وصل العقيد حسن سليمان رمضان لمكان المشاجرة وقام بإطلاق رصاصة في الهواء، وأخرى في كافيتيريا مجاورة، وثالثة على المتوفى مباشرة. وطبقا لإفادات الشهود فقد اخترقت الرصاصة ظهر الضحية لتخرج من صدره مما أدى إلى وفاته في الحال.

ووكلت أسرة القتيل محامي المبادرة المصرية لمتابعة القضية التي لازالت في مرحلة التحقيق حتى وقت صدور هذا التقرير.

 

6 أكتوبر 2012: مصرع المواطن محمد حمدي عبد التواب برصاص ضابط شرطة أثناء فض مشاجرة ببنى سويف

قام الملازم أول أحمد زين، بقسم شرطة بندر بنى سويف، بإطلاق عيار ناري من سلاحه الميري أصاب المجني عليه في رأسه، مما تسبب في وفاته.

وأكد شهود عيان على الواقعة على تعمد الضابط إصابة المجني عليه باستهدافه برصاصة في الرأس مباشرة، علماً بأن المتهم كان محتجزاً بقسم شرطة بندر بنى سويف قبل الواقعة، وخرج يوم الحادث بكفالة، وذلك قبل مقتله بأربع ساعات فقط بحسب رواية الأهالي.

وذكر ضابط الشرطة المتهم في محضره أنه بناء على بلاغ بوجود مشاجرة في شارع عفيفي المتفرع من شارع أحمد عرابي توجه إلى المكان، وأثناء محاولته ضبط محمد حمدي عبدالتواب، المجنى عليه، قام الأخير بمقاومة القوة المرافقة له. وأثناء الاشتباك خرجت رصاصة من مسدسه واستقرت في رأس المجنى عليه! إلا أن العديد من شهود العيان نقضوا رواية الضابط وأكدوا استهدافه للمجني عليه بمسدسه.

تم نقل المجنى عليه إلى مستشفى بنى سويف العام ومنها تم تحويله إلى مستشفى قصر العيني بالقاهرة. إلا أن  العميد زكريا أبو زينة، مدير إدارة البحث الجنائي بالمحافظة، أمر قائد سيارة الشرطة التي كانت تحمل المجني عليه بالتوجه إلى مستشفى الشرطة. بالعجوزة. وتم عمل محضر آخر قيد تحت رقم 22835 لسنة 2012 إداري العجوزة، وبعدها تم إبلاغ أهل المجني عليه بوفاته وتسليم الجثة لهم بمستشفى الشرطة.

وقد قام الأهالي بالتوجه إلى مشرحة زينهم بالجثة ـ طبقا لما قرره أهل الضحية ـ حيث جرى استخراج  تصريح الدفن من المشرحة.

ورغم أنه بعرض المحضر على رئيس نيابة بندر بنى سويف، أصدر أمره بضبط وإحضار المتهم الملازم أول أحمد زين يوم التاسع من إكتوبر، إلا أن أمر الضبط والإحضار لم يتم تنفيذه حتى وقت صدور هذا التقرير.

15 أكتوبر 2012: مقتل بائع الفاكهة مصطفى عيد على يد ضابط بميدان الجيزة

قام العقيد هشام نصر،  الضابط بشرطة المرافق بحي الجيزة،  في يوم الاثنين الموافق 15 أكتوبر بقتل بائع الفاكهة مصطفى عيد (22 سنة) بالرصاص الحي بميدان الجيزة.

وقد بدأت الأحداث قبل الواقعة بيومين، في يوم السبت الموافق 13 أكتوبر، حين هدد الضابط المذكور مصطفى بالقتل هو وآخرين إذا لم يحضروا له أحد الباعة ويدعى محمد، والذي يبدو أنه كان بينه وبين الضابط خلاف. وبحسب شهود العيان فقد جاء الضابط إلى شارع محمود عزمي الواقع أسفل الكوبري بميدان الجيزة حيث يتجمع بعض البائعين، وضرب مصطفى واحتجزه هو وآخرين في كشك تابع للشرطة حوالي ثلاث ساعات حتى يبلغه بمكان محمد، ثم أطلق سراحهم مهددا إياهم بالقتل إذا لم يحضروا له محمد.

وفي يوم الاثنين 15 أكتوبر دخل الضابط هشام نصر ومعه قوة من عساكر قسم الجيزة، في سيارة ميكروباص إلى المكان الذي يستخدمه مصطفى ووالده في بيع الفاكهة في مدخل شارع محمود عزمي. نزل الضابط من الميكروباص وضرب والد مصطفى، وهو أيضا بائع فاكهة، فدفعه إلى الأرض.

قام الضابط هشام نصر بعدها ومعه عدد من الجنود بمطاردة مصطفى إلى داخل شارع محمود عزمي، وهو شارع جانبي تقع به مدرسة الجيزة الإعدادية بنات. وطبقا لشهادات متطابقة لشهود العيان، فقد بدأت قوة الشرطة في إطلاق الأعيرة النارية بصورة عشوائية تركت ثقوبا واضحة فى جدران وشرفات عدد من الأبنية بالشارع. وأصاب أحد تلك الأعيرة مصطفى عيد أمام باب المدرسة فسقط قتيلا في حوالى الساعة الثانية ظهرا.

ولم يتمكن باحثو المبادرة المصرية من تحديد هوية رجل الشرطة الذي أطلق العيار الناري الذي قتل مصطفى، حيث أن أكثر من فرد من القوة قاموا بإطلاق الرصاص في الوقت نفسه.

جاءت إصابة مصطفى بطلق ناري اخترق جسده من الذراع الأيسر ليهشم ضلعه وينفذ من الجانب الأيمن بما أدى الى مقتله في الحال. ولم تكشف معاينة النيابة للجثة عن إصابات أخرى.

أكد هذا التسلسل للأحداث أكثر من شاهد عيان. يقول بائع فاكهة في ميدان الجيزة (وهو أحد الشهود الذين استجوبتهم النيابة في تحقيقاتها): "يوم الاتنين قدام شارع محمود عزمي على ناصية الشارع لقيت الظابط هشام جاي بعربيتين ميكروباص ونزل من العربية هشام بيه نصر والنقيب أحمد اللي في المرافق وعسكري اسمه أحمد في المرافق وعساكر وأمناء، وأول ما نزل قدام الشارع الظابط هشام قال للعساكر امسكوا ده وده وشاور على مصطفى عيد وأخوه وقال هاتوهم والعساكر فعلا مسكوهم وفي الوقت ده عم عيد راحله وقاله: حرام عليك انت كل يوم تاخد عيل من عيالي، فهشام بيه ضربه بالقلم وزقه فوقع وقال هاتوا حبل عشان أربطه. فالناس اللي في الشارع اتضايقوا وقاموا يضربوا بالرمان والجوافة والبرتقال على الظابط والقوة اللي معاه. فالظابط والقوة رجعوا خطوة لورا والظابط هشام ضرب وقال للقوة اللي معه تضرب وكل الظباط والقوة والعسكري أحمد بدأوا يضربوا الأول ضربوا طلقة في الهوا وبعد كده بدأوا الضرب ناحيتنا والناس كلها قعدت تجري ومصطفى كان بيجري برضه بس كان آخر واحد ناحية القوة وبعد كده لقينا مصطفى واقع على الأرض ولقيت هشام بيه والعسكري اللي اسمه أحمد واقفين قريب منه وبعد كده هشام بيه رمى الطبنجة على الأرض والقوة كلها جريت ناحية ميدان الجيزة."

قام عدد من الشباب المتواجدين بالشارع والذين شهدوا واقعة القتل، بالإضافة إلى بعض الباعة الجائلين، بالاشتباك مع الضابط والجنود، وتم سرقة طبنجتين منهم وتفريغهما من الذخيرة. وبعد فض الاشتباك، قام الأهالي بتنظيم اعتصام أمام مسجد الاستقامة الواقع في ميدان الجيزة.

فتحت النيابة تحقيقاً في الواقعة بناء على المحضر رقم 8085 لسنة 2012 إداري قسم الجيزة، وتم سماع أقوال ستة من شهود العيان في 8 اكتوبر 2012 بالتوازي مع وقفة سلمية لأهل القتيل أمام مقر محكمة الجيزة الابتدائية. ولا يزال التحقيق جاريا حتى وقت صدور هذا التقرير، مع العلم أنه لم يتم التحقيق مع الضابط المتهم حتى الآن.

25 أكتوبر 2012: الاعتداء على المواطن سيد جاد عبد الوهاب بمركز الوقف بمحافظة قنا

جرت أحداث الواقعة يوم وقفة عيد الاضحى الموافقة للخميس 25 اكتوبر 2012 بين الساعة الرابعة والخامسة عصراً. كان الضحية سيد جاد عبد الوهاب سليمان قد ذهب إلى مركز شرطة الوقف فور علمه من بعض المارة بأن ابنه البالغ من العمر 9 سنوات قد تم القبض عليه من قبل ضابط شرطة بدعوى أنه كان يحمل حقيبة بها زجاجتي بيرة. وشرح الطفل حمادة سيد جاد عبد الوهاب ملابسات القبض عليه قائلا:

"انا كنت بدور على ابويا على البحر ولما ملقتهوش رحت اركب عربية عشان اروح البيت، راح جه البوليس نزلها كلها. وكان فى كيس اسود وراح جه الظابط اللى لابس قميص وبنطلون قال لى هات الشنطة دى وانزل رحت خدتها ونزلت وطلعنى بعد كده البوكس ولما رحت هناك (القسم) مكنتش عارف اسمه وسمعت اسمه بعد كده وعرفت اسمه نجيب بيه."

ويبدو أن الضحية سيد والد الطفل قد أثار غضب الضابط المدعو نجيب عندما واجهه بهذه الرواية قائلا له "مش حرام عليك ده (الطفل) يجيب بيرة". فأمره الضابط نجيب بالانتظار في مكتبه حتى ينتهى من تناول الإفطار (وقت المغرب). وبعد عودة الضابط نجيب إلى غرفته بدأ في الاعتداء بالسب وبالضرب المبرح وبالصفعات على وجه سيد قائلا له: "أنا حعلمك الادب. إنت حتورينى شغلى. أنا أجيب اللى أجيبه وأخلي اللى أخليه." إلى أن تدخل سكرتير مركز الوقف المدعو "شعبان إبراهيم علي" وأوقف الضرب. ثم جاء معاون المباحث ويدعى حسانين ووجه بعض الأسئلة للطفل. وبعدها تم اطلاق سراح سيد وابنه من القسم.

وقد وكل سيد جاد محاميا عن المبادرة المصرية، وتم تقديم شكوى من قبل المعتدى عليه وتحويلها إلى نيابة الوقف برقم صادر 1702 بتاريخ 4 نوفمبر 2012. ولم تتخذ النيابة قرارا بشأن البلاغ حتى وقت صدور هذا التقرير.

26 أكتوبر 2012: حفلة تعذيب وإهانة لثمانية مواطنين بمديرية قنا

تعرض خمسة  أشخاص كانوا يركبون سيارة ربع نقل للقبض عليهم فى كمين "المعنا" الذي يقع شمال غرب محافظة قنا، بعد أن نشبت مشادة كلامية بينهم وبين الجنود المتمركزين بالكمين، تم على إثرها اقتيادهم إلى الكرفان (المبنى الذي يأوي قوة الكمين).

وصل شقيق أحد المقبوض عليهم (ويدعى محمد إبراهيم محمد بكرى)، إلى الكمين ومعه والدته لتسليم البطاقة الشخصية للمقبوض عليه. في هذا الوقت كان ضابط الكمين قد اتهم الأشخاص الخمسة بالتعدي على أحد جنوده. حاولت الأم الحاضرة الصلح بين الجنود وابنها ورفاقه، لكن الجندي المعني رفض الصلح، ودفع يدها مما أثار غضب الابن وأخيه محمود، فازداد الوضع توتراً. وهنا تدخل الضابط ووعد الجندي بأنه سوف يثأر له وتم القبض على الستة الموجودين بخلاف الأم وترحيلهم في سيارة بوكس إلى قسم الشرطة. وتم القبض على شقيقين آخرين لمحمد ابراهيم محمد بكري وترحيلهما إلى القسم كذلك. ثم تم ترحيل المجموعة بعد ذلك إلى مديرية الأمن، وتم استدعاؤهم لمكتب مدير الأمن حيث وجدوا اثنين من المجندين ممن تواجدوا بالكمين وقت الواقعة وكانت ملابسهم قد جرى تمزيقها لاحقا، طبقاً لرواية ثلاثة من المعتدى عليهم.

واتهم مدير الأمن المقبوض عليهم "بالبلطجة" وبالتعدي على الجنود، ثم بدأ هو كذلك بضربهم والتنكيل بهم. وأمر مدير الأمن ثلاثة من الضباط و13 فرداً بضرب المقبوض عليهم ضرباً مبرحاً.  بعدها تم اقتيادهم جميعاً إلى قسم الشرطة، حيث احتجزوا لمدة ليلة. وخلالها لم يتوقف الضرب وتوجيه الإهانات لهم.

وقال أحمد محمد محمود على جاد (طالب, 20 سنة)، أحد المعتدى عليهم:

"فيه ظابط اسمه أحمد، دخلنا اوضة النبطشيه وبيتنا فيها، والصبح طلعونا وودونا المديريه مفيش ساعه راح جالنا ظابط ملازم أول دخل علينا الأوضه واشتغل ضرب فينا وخلانا نمسح الميه الوسخة بهدومنا ونزحف على بطننا وضربنا بالجزم وداس على دماغ واحد فينا وقال لنا ساعة وحجيكم بعد صلاة الجمعة والظابط اسمه محمد رأفت.  وبعد صلاة الجمعه جالنا، وخلانا نقلع هدومنا، واشتغل ضرب فينا، وقعدنا فوق بعضينا عريانين ملط واشتغل ضرب فينا بالعصا وخلانا نتلافى الجزم ببوقنا وجاء مأمور سجن الترحيلات اللى فى المديرية فطلع الظابط يجرى لما سمع وقفل الباب، ودخل علينا مأمور السجن دخل لنا الأكل والشرب فبيقول لنا: إيه اللى حصل؟ قلنا له: مش عارفين إيه اللى حصل معانا. وسابنا ومشى.. وبيتنا الخميس فى القسم، والجمعة فى سجن الترحيلات في المديرية.. جه تانى يوم اتعرضنا على النيابة وحكينا كل حاجة لوكيل النيابة."

وبعد عرضهم على النيابة تم إخلاء سبيل مجموعة منهم بعد أربعة أيام ثم أخلي سبيل الباقين بعد سبعة أيام. ولم تتخذ النيابة أي إجراء للتحقيق في التعذيب والإهانة التي تعرض لها الثمانية أثناء احتجازهم.  

28 أكتوبر 2012: مقتل المواطن محمود حسن المطري في كمين شرطة بمدينة العريش ـ شمال سيناء

بين الساعة الثامنة والنصف والتاسعة من مساء 28 أكتوبر لقي الشاب محمود حسن المطري مصرعه، حيث كان يقود سيارته الأجرة بصحبة أحد الركاب في شارع 23 يوليو بالقرب من مسجد المالح في العريش. وحين رأى كمينا للشرطة أمامه سلك أحد الطرق الجانبية، ودخل في شارع القاهرة (ذكر بعض الأهالي أن سبب ذلك أنه لم يكن يحمل رخصة القيادة الخاصة به)، وهو ما فعله أيضا سائق أجرة آخر يدعى رامي كان يقود سيارته الأجرة على مسافة بسيطة من محمود حسن، وشهد على الواقعة.

عند دخولهما في الشارع الجانبي، وجد السائقان سيارة "بوكس" تابعة للشرطة استوقفت سيارة رامي، والذي نزل من سيارته وأظهر رخصة قيادته، وبينما هو يتحدث مع القوة التي ترافق البوكس، سارع محمود حسن بالعبور بسيارته الأجرة بجانب القوة، متخطيا الكمين دون أن يتحدث إلى أفراد القوة. وبمجرد أن عبر محمود موقع القوة بسنتيمترات قليلة أطلق عليه أفراد القوة النار فأصيب محمود بطلقة مباشرة اخترقت رأسه من الخلف، كما اخترقت رصاصتان ظهر كرسي الراكب بجانبه ليستقرا في ظهره. وظل الراكب المصاب (ويدعى محمد سعيد عبد العظيم، طالب بجامعة سيناء من محافظة الشرقية) لفترة يرقد في مستشفى الشرطة بالعجوزة حيث تلقى العلاج على نفقة وزارة الداخلية.

وأدى إطلاق الرصاص إلى خروج السيارة عن مسارها واحتكاكها بسور أحد المنازل الواقعة على يمين الطريق ثم اصطدامها بالرصيف. خرج وقتها بعض العاملين بمخزن لشركة مواد غذائية قريب من المكان (منهم محمد ربيع وهو أحد الذين أدلوا بشهاداتهم للمبادرة المصرية بالإضافة لعامل آخر رفض ذكر اسمه) وأفادوا أنهم رأوا الراكب يخرج من العربة ويصرخ من آلام ظهره ثم يقع على وجهه، ورأوا رأس السائق تخرج من النافذة وتسيل منها الدماء. ثم جاء أحد الضباط ليخرج القتيل محمود حسن ويلقيه على الأرض. حاول العمال إقناع الظابط بالاتصال بالإسعاف لكنه رفض لمدة نصف ساعة تقريبا، ثم جاءت سيارة الإسعاف بعد ذلك وأخذت المصاب إلى المستشفى.

وقال الشهود (سائق الأجرة رامي والعاملون بالمخزن) إن القوة في الشارع الجانبي كانت مكونة من ضابط بزي مدني وصفوه بأنه "أبيضاني" و"مليان" ذو وجه مستدير وأنه كان يرتدي تيشيرت "أحمر في أبيض في أزرق" وبصحبته خمسة أو ستة عساكر. وأكدوا أنهم حين خرجوا فور سماع انفجار إطار السيارة رأوا الضابط ومسدسه في جرابه وشاهدوا الجنود رافعين لأسلحتهم الآلية في الهواء. وعندما قامت النيابة بمعاينة موقع الحادث بعدها بساعات، نجح وقتها الشباب المتواجد بالمكان في جمع حوالي ثلاث طلقات 9 مم وحوالي ثلاث طلقات لسلاح آلي (طبقا لرواية المحامي أحمد جيبارة ابن عم المتوفي).

وقد خرج العشرات من أهالي القتيل وبعض شباب الحركات السياسية محاصرين مستشفى العريش حيث تم نقل جثمان القتيل. وعندما وصل إلى المستشفى المحامي أحمد جيبارة، وجد الحكمدار وممثلي النيابة وبعض القيادات الأمنية ورجال المحافظة. وأصر المحامي أن تعاين النيابة الموقع ويتم تشريح الجثة وأن يسجل محضر بالواقعة مع سماع الشهود، وهو ما حدث نظراً لضغط الأهالي، وخوف المسئولين من تصعيدهم، وقيد المحضر برقم 1470 إداري قسم تاني العريش.

وذكر بعض النشطاء أنهم اتصلوا بمدير الأمن لإخطاره بالواقعة، وأنه أخبرهم أن الضابط المسئول عن هذه الدورية يدعى مجدي سمك، ويحمل رتبة النقيب، وأنه كان قد ارتكب العديد من الجرائم قبل ذلك في أقسام أخرى خارج شمال سيناء قبل أن يتم نقله للعريش.

وجدير بالذكر أن المسئولين من المحافظة ومن وزارة الداخلية حاولوا أكثر من مرة استرضاء أقارب القتيل من عائلة المطري، ووعدوهم بتوظيف الأقارب، وبمكافاءات مالية، لكن العائلة أعلنت اصرارها على محاسبة القاتل.

31 أكتوبر 2012: مقتل محمد أحمد صابر في كمين المثلث بشمال سيناء

بين الساعة التاسعة والنصف والعاشرة مساء يوم 31 أكتوبر خرج المجني عليه محمد أحمد صابر وبصحبته كل من محمد حسين صابر ومحمود حسين (أدليا بشهادتهما للمبادرة المصرية) من مصنع سولار في مدينة القنطرة بعد أن قاموا بتحميل سيارتهم بحوالي طن من السولار بصورة غير قانونية (وقد أقر الشاهدان بأنهم كانوا يقومون بتهريب السولار). وعند خروجهم فوجئوا بسيارتي بوكس شرطة تعترضان طريقهم وهو ما دفعهم للاستنتاج بأن أحد المتورطين في عملية التهريب قد قام بإبلاغ الشرطة. فسارعوا بالهروب مخترقين المسافة بين السيارتين بدون أن يصطدموا بأي من السيارتين.

قامت إحدى السيارتان بمطاردتهم وبدأ أفراد الشرطة بسيارة البوكس في إطلاق الرصاص عليهم (قال الشهود إنهم قاموا بتمييز صوت طلقات آلي وطلقات من طبنجة 9 مم). واستمرت سيارة البوكس في مطاردتهم حتى وصلوا إلى كمين "المثلث" وضرب النار لم يزل مستمراً، وهو ما دفع قوة الكمين الى الاعتقاد بأنهم يتعرضون للهجوم فبدأوا بدورهم في إطلاق الرصاص في الهواء.

 وقرر محمد أحمد صابر ومن معه الاستمرار في الهروب فنجحوا في  تخطي الكمين وفي الهروب لمسافة 13 كيلومتر تقريبا, ثم صعدوا كوبري الرمانة وحاولوا آنذاك أن يقذفوا البوكس الذي كان يطاردهم بأكياس  بلاستيكية لتشتيت السائق - فالسيارة لم تكن بها أسلحة من أي نوع - وعند محاولة النزول من على كوبري "الرمانة" اضطروا لتهدئة السرعة، لكن السيارة توقفت تماماً (يعتقد الشهود أن رصاصة كانت قد أصابت الكاوتش). فصرخ السائق القتيل محمد صابر: "العربية مش حتتحرك". ثم فوجئوا بالبوكس يظهر من ناحية اليسار ويتوقف بجانب نافذة السائق محمد أحمد صابر. وقال الشهود إن السائق رفع يديه مستسلما ولكن قوة الشرطة أطلقت الرصاص عليه مباشرة, فاخترقت رصاصة أسفل ذراع محمد أحمد صابر في منطقة الإبط وخرجت من منطقة قريبة من العنق (وهو ما أكده عبد الله سليمان - 33 سنة - ابن عم القتيل والذي حضر التشريح). كما أصيب محمد حسين صابر برصاصة في ذراعه الأيسر في حين لم يصب محمود حسين الذي كان يجلس في أقصى اليمين.

ما حدث بعد ذلك، هو أن السائق نزل من الباب الأيسر وركع على ركبيته رافعا ذراعيه، بينما نزل الراكبان الآخران من الناحية الأخرى وجروا في اتجاه مشتل زرع قريب بمسافة حوالي 100 متر. ونجح محمود حسين في الهرب في حين لم ينجح محمد حسين صابر المصاب حيث أمسك به أحد العساكر. وبعدها اقتيد محمد حسين صابر طبقاً لروايته وتم إلقاؤه فوق جثة القتيل محمد أحمد صابر (ليس أكيدا أن محمد أحمد صابر كان قد توفي بالفعل في هذا الوقت) وبدأ الجنود في ضربهم بالأحذية وبالبنادق وسبوهم سباباً عنصرياً يحقر البدو. بعدها تم وضعهم في البوكس وكلبشتهم لمدة نصف ساعة تقريبا إلى أن وصلت سيارة الإسعاف التي نقلتهم إلى مستشفى القنطرة شرق.

وقال عدد من الأهالي إنهم يعرفون الضابط الذي أطلق الرصاص وإنه يدعى أمير فراج ويحمل رتبة النقيب، ويعمل في قسم القنطرة شرق. وأشاروا إلى أنه منقول من قسم ثالث العريش. كما أكد أقارب القتيل أن هذا الضابط له سوابق مثيلة، وأنه لو كان القتيل قد تبادل إطلاق النيران مع الشرطة لربما كان الوضع مختلفاً، لكنه قتل دون وجود أي تهديد حقيقي على الشرطة. وقد تم تشريح الجثة وعمل محضر 2430 لسنة 2012 جنايات القنطرة شرق وبدأت النيابة في التحقيق في الواقعة. وتتولى المبادرة المصرية التمثيل القانوني لأسرة محمد صابر.

 

 

 

 

 وفيات داخل أماكن الاحتجاز التابعة للشرطة

ورد في الفصل السابق توثيق لثلاث وقائع أظهرت تحقيقات المبادرة  المصرية بشأنها تعرض ثلاثة مواطنين للتعذيب حتى الموت داخل أقسام الشرطة خلال شهور الرصد الأربعة: سامح محروس فودة في قسم شبرا الخيمة في 16 أغسطس 2012، وعاطف المنسي في قسم شرطة ميت غمر في 16 سبتمبر 2012، ومحمد إسماعيل عزام بمركز شرطة طهطا بمحافظة سوهاج في 24 سبتمبر 2012.

 بالإضافة لهذه الوقائع الثلاث، رصدت المبادرة المصرية سبع حالات أخرى لوفيات داخل أماكن الاحتجاز، ما بين أقسام الشرطة والسجون وسيارات الشرطة، في ملابسات مثيرة للشبهات بما يستوجب التحقيق فيها.

وتضم الحالات السبع واقعتي وفاة في قسمين للشرطة، وثلاث حالات لوفيات داخل سجون المنصورة ودمنهور والوادي الجديد، وحالة وفاة داخل سيارة شرطة بعد القبض على المجني عليه، وحالة أخرى لوفاة داخل حجز كمين مروري.  

وبينما لم يتمكن باحثو ومحامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من جمع أدلة او شهادات كافية بشأن هذه الحالات السبع، فإن المبادرة المصرية تؤكد على ضرورة أن يجري تحقيق مستقل وفوري في كافة حالات الوفاة التي تقع داخل أماكن الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية، خاصة في ضوء انتشار التعذيب وسوء المعاملة داخل الأقسام والسجون، وارتفاع عدد حالات الوفاة في ظروف غير طبيعية، والمسئولية القانونية الواقعة على القائمين على أقسام الشرطة والسجون بأن المحتجزين بداخلها.  

وفيما يلي قائمة بتلك الوقائع:

17 يوليو 2012: مصرع مريض نفسي بقسم شرطة مصر القديمة

"أحمد عبد النبي" (22 سنة، عامل جزارة) تقول أسرته إنه يعاني من مرض نفسي يتلقى العلاج منه في مستشفى العباسية.

وتتهم الأسرة ضباطاً بقسم مصر القديمة بتعذيبه حتى الموت. حيث قال محمد عبد النبي، شقيق المجني عليه إن تقرير الطب الشرعي كشف عن تعرض أخيه لضرب مبرح وكسر بالجمجمة ونزيف بالبطن، مما أدى لوفاته، وأشار إلى وجود آثار تعذيب واضحة بجثمان شقيقه وإلى أن المحتجزين مع القتيل قد أكدوا أن الضباط تعدوا عليه بالضرب وعذبوه رغم سوء حالته النفسية حتى فارق الحياة.

علي النقيض صرح مأمور قسم مصر القديمة أن المجنى عليه لم يتعرض لأي نوع من أنواع التعذيب، وإنما أصيب بحالة هيستيرية قبل وفاته وارتطمت رأسه بحوائط الحجز.

14 أغسطس 2012: مصرع سجين صعقا بالكهرباء بسجن المنصورة

توفي جمال عبد الغني (23 سنة)، المحبوس احتياطيا بسجن المنصورة العمومي يوم 14 أغسطس صعقا بالكهرباء.

وبينما اتهمت أسرته إدارة السجن بقتله بالتعذيب صعقاً بالكهرباء، فقد ادعى مأمور السجن أن الضحية قد توفى "أثناء تركيب مروحة".  

تم تحرير محضر بالواقعة، حمل رقم 4836 إداري قسم ثان المنصورة.

3 سبتمبر 2012: وفاة محتجز داخل حجز بكمين شرطة على طريق القصير

لقي نعماني صادق حنفي (28 سنة) مصرعه بكمين أمني على طريق القصير في 3 سبتمبر. وطبقا لرواية وزارة الداخلية فإن القتيل قد "شنق نفسه" بعد ضبطه وبحوزته مخدرات.

18 سبتمبر 2012: وفاة محتجز داخل سيارة الشرطة بالمحلة

توفى الشاب كريم سيد نوفل ـ والشهير بكريم العمدة، ويعمل نجارا ـ داخل سيارة تابعة للشرطة في مدينة المحلة الكبرى يوم 18 سبتمبر 2012، بعد قيام ضباط مباحث أول المحلة بحملة للقبض على سائقي الدراجات البخارية بدون تراخيص بمنطقة الرجبي، والتي تم القبض عليه فيها.

ونظم أهالي مدينة المحلة الكبرى تظاهرة للتنديد بمقتل كريم علي يد أحد أفراد الشرطة - على حد قولهم، بينما أفادت تحريات الشرطة بأنه أثناء اصطحاب أفراد الشرطة للمتوفى للقسم أصيب بغيبوبة سكر وتوفي متأثرا بها داخل السيارة.

30 سبتمبر 2012: وفاة محتجز صعقا بالكهرباء داخل حجز قسم شرطة مطروح

لقى ممدوح السيد حسين (25 سنة) مصرعه صعقا بالكهربا، أثناء احتجازه على ذمة القضية رقم 3313 لعام 2012 جنح عسكرية مطروح، داخل حجز قسم شرطة مطروح. وجرى توقيع الكشف الطبى على المجني عليه بمعرفة مفتش الصحة الذي أفاد بوجود صعق كهربائى باليد اليسرى وإصابة بالجبهة نتيجة ارتطامه بالأرض. ونقلت مصادر إعلامية عن المحتجزين مع الضحية فى نفس غرفة الحجز أن سوء الحالة النفسية قد دفعت المتهم للانتحار، إذ قام بسحب السلك الخاص بالشفاط الكهربائى الموجود بحمام الحجز وأمسك به حتى لقي مصرعه. وتم تحرير المحضر رقم 4849 لسنة 2012 إدارى مطروح.

5 أكتوبر 2012: وفاة سجين بسجن الوادي الجديد في ظروف بها شبهة جنائية

عثر على جثة أحمد محمد علي (62 سنة)، السجين بسجن الوادي الجديد داخل دورة المياه بسجن الوادي الجديد. وكان المتوفى يقضي عقوبة بالسجن ثلاث سنوات في قضية رقم 291 جنايات محافظة المنيا لسنة 2012 بتهمة حيازة سلاح وذخيرة.

وقد أفاد طبيب السجن أنه بعد توقيع الكشف الطبي عليه تبين وجود كدمات وخدوش بالركبة والساقين اليمنى واليسرى، وأن سبب الوفاة هو هبوط حاد في بالدورة الدموية والتنفسية أدت إلى توقف دقات القلب.

كما ذكر تقرير مستشفى الخارجة العام وجود كدمات واضحة وجرح حول رقبة الجثة وخدوش وسحجات بالرقبة وخدوش بالركبة اليسرى واليمنى والصدر من الجانب العلوي، بما يؤكد  وجود شبهة جنائية لا يمكن تحديدها إلا بعد تشريح الجثة. تم تحرير المحضر رقم 1903 إداري قسم شرطة الخارجة لسنة 2012 وإحالته للنيابة العامة لمباشرة التحقيقات.

5 أكتوبر 2012: وفاة مسجون بسجن دمنهور العمومي

توفي نزيل بسجن دمنهور العمومي بمحافظة البحيرة، يدعي «مهنى. ف»، (55 سنة). وتم تحرير محضر بالواقعة. وبتوقيع الكشف الطبي عليه من قبل مفتش الصحة، أفاد بعدم وجود إصابات ظاهرية، وأن سبب الوفاة هبوط حاد بالدورة الدموية أدى إلى فشل بالقلب والتنفس.

توصيات

تعكس الوقائع والانتهاكات الموثقة في هذا التقرير نهجاً شرطياً في التعامل مع المواطنين يراهم دائماً تهديداً تجب إزاءه تعبئة وسائل الردع، وتصل الأمور في بعض الحالات لردود فعل تظهر تبني رجال الشرطة لعقلية الميليشيا التي تعمل خارج مظلة القانون وتفضل تفعيل وسائل الترويع لأقصاها للسيطرة على الناس.

هذا التعامل اللا مهني واللا إنساني واللا قانوني لا زال يجد حماية له لدى قادة الشرطة ممن يهرعون لاختلاق المبررات ونسج الروايات الكاذبة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إجراء تحقيق نزيه ومراجعة سليمة للوقائع، وإنزال العقاب المهني فضلا عن الإحالة للنيابة العامة لمن رتكبوا تلك الانتهاكات. كما لا يزال الإطار التشريعي واللائحي معيبا وقاصرا بما يكفل استمرار هذه الجرائم دون حساب.

وترى المبادرة المصرية أن الأولوية القصوى الآن يجب أن تكون وقف آلة القتل المستمر على يد الشرطة سواء داخل أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز أو في الطريق العام أثناء القيام بمهام شرطية اعتيادية لا يجب أن يذهب ضحيتها هذا العدد المهول من القتلى دون حساب. ولن يمكن وقف عداد الضحايا عن العمل إلا عبر استحداث آليات فعالة للرقابة على عمل الشرطة، وإدخال تغييرات فورية على قواعد استعمال السلاح والقوة أثناء القيام بمهام العمل الشرطي.

 

أولاً: تعزيز الرقابة علي الشرطة

في أغلب الدول الديمقراطية، وبصفتها المحتكر الوحيد لأدوات القوة في الدولة الحديثة، تعمل المؤسسات الأمنية في مناخ تحوطه الرقابة وتميزه قواعد الشفافية. ويقوم بالرقابة على أعمال هذا القطاع أكثر من مؤسسة. وتتعدد الآليات الرقابية في بعض الدول بين رقابة برلمانية وقضائية وشعبية، هذا بالإضافة إلى الرقابة التي تضطلع بها إدارات التفتيش الداخلي بمؤسسات الأمن.

ومن هنا فإن المقترحات الآتية مبنية على نماذج للآليات الرقابية المعروفة في الكثير من دول العالم، خصوصاً التي نجحت في تحقيق معادلة التصدي لمشاكل العنف والتعذيب دون تقويض لقدرة الشرطة على تنفيذ مهمتها.

لجنة مستقلة للتحقيق في وقائع الوفيات والإصابات البالغة على يد رجال شرطة

من أساسيات الرقابة على أجهزة الشرطة الديمقراطية وجود جهاز مستقل للتحقيق في حالات الوفيات والإصابات الناتجة عن استخدام الشرطة للقوة في سياق عملها.

ويتضمن تعريف القوة استخدام الأسلحة الشرطية (بما فيها الأعيرة النارية والأسلحة غير المفضية إلى الموت مثل: غازات السيطرة على الشغب والعصي وغيرها) كما يتضمن الاشتباك بالأيدي والسيطرة باستخدام القوة الجسدية والتقييد.

نقترح تشكيل لجنة تكون مهمتها التحقيق في حالات الإصابة البالغة أو حالات الوفيات التي وقعت في سياق عمل رجال الشرطة في المجال العام، أو في الأماكن الخاصة، أو المغلقة، وفي أماكن الاحتجاز وأقسام الشرطة والأماكن الواقعة تحت إشراف الشرطة. ويتضمن ذلك جميع أماكن الاحتجاز رسمية وغير رسمية، بما في ذلك السجون والأقسام ونقاط التفتيش والكمائن وسيارات الشرطة وغيرها.

ويتضمن اختصاص اللجنة التحقيق في حالات الوفاة، أو الإصابة البالغة التي تحدث في سياق مكافحة الجريمة، وكذلك في كمائن الشرطة وفي المطاردات التي استخدمت فيها عربات الشرطة. وأيضا في الحالات التي نتجت عن الاستهداف المباشر بالأعيرة النارية، أو حالات الاشتباك بالأيدي وبالعصي، وفي حالات المطاردات أو المداهمات للأماكن المبلغ عنها ولأوكار الجريمة.

ويهدف التحقيق في هذه الحالات التأكد من مدى قانونية استخدام العنف في حالات القوة التي أفضت إلي الموت أو الإصابة. ولا تقوم اللجنة بالتحقيق فقط في حالة وجود شبهة جنائية وإنما في أي حالة وفاة أو إصابة بالغة وقعت في سياق التعامل مع رجال الشرطة.

ويهدف هذا التحقيق إلى ضمان عمل الشرطة - بصفتها محتكرة لاستخدام أدوات العنف في الدولة - ضمن إطار القانون، وإلزام الأفراد بعدم استخدام أي صورة من صور القوة غير الضرورية وغير المتناسبة.

سلطات اللجنة:

يجب على ادارة التفتيش في وزارة الداخلية أن تفتح تحقيقاً داخلياً مع كل حالة تستخدم فيها الأعيرة النارية خلال العمل الشرطي. سواء نتج عنها إصابة أو وفاة أو لم ينتج. ويعتبر هذا إجراءً روتيني متبعاً في أجهزة الشرطة الديمقراطية. فاستخدام الشرطة للأعيرة النارية يجب أن يظل ضمن ظرف استثنائي للغاية.

أما حالات الوفاة أو الاصابة البالغة الناتجة عن استخدام الشرطة للقوة كما هي معرفة أعلاه، وليس فقط للأعيرة النارية، فيضطلع بالتحقيق فيها لجنة مستقلة. وعلى هذا الأساس يتوجب على جهاز الشرطة أن يحيل أي حالة وفاة أو اصابة بالغة نتجت عن تعامل الشرطة إلى تلك اللجنة المستقلة. كما ينبغي عليها أن تبلغ اللجنة بكل حالة وفاة أثناء الاحتجاز بغض النظر عن وجود أو غياب شبهة تعذيب، أو سوء معاملة.

وتقوم اللجنة بعمل تحقيق مبدئي في هذه الحالة ثم تقرر ما اذا كانت الحالة تستدعي تحقيقاً موسعاً أم لا. ومن بين سلطات اللجنة أيضا تلقي الشكاوى من المواطنين بشأن حالات الوفاة أو الإصابة البالغة والتحقيق فيها في حالة انطبق عليها التعريف والمعايير المبينة أعلاه.

ويجب أن تحصل اللجنة على صلاحيات التحقيق كاملة، وهي الطريقة المثلى لضمان استقلالية ونزاهة التحقيقات في الحالات التي توجد بها شبهة مخالفة من أحد العاملين بالدولة خاصة بالأجهزة الأمنية.

وتتضمن هذه الصلاحيات الوصول إلى سجلات السجون وأماكن الاحتجاز، والتقارير الطبية والطب الشرعي، والتواصل مع أسر الضحايا أو المساجين أو مقدمي الشكاوي (مع ضمان سرية المعلومات والحق في عدم الكشف عن الهوية). والتواصل مع الإدارات المختصة في جهاز الشرطة ومع مأموري الأقسام والسجون وأطباء السجون، والوصول إلى تسجيلات الكاميرات والأدلة المتوفرة لدى أجهزة التحقيق الداخلية.

باختصار تمتلك اللجنة جميع صلاحيات المحققين الجنائيين في جمع الأدلة بالإضافة إلى صلاحيات التحقيق.[1] ويمكن أيضا منح أعضاء اللجنة صفة الضبطية القضائية في الجرائم الخاصة بأعمالهم.

أما الاجراءات التي تستطيع أن تتخذها اللجنة فتتضمن اصدار تقرير مبدئي يتم رفعه لوزارة الداخلية (أو الادارة المختصة: مصلحة السجون، الأمن العام) قبل نشره وإعطاء الفرصة للرد، ثم نشر التقرير النهائي. كما تستطيع أن تقدم توصيات للإدارات المختصة بجهاز الشرطة أو لمصلحة السجون عن كيفية تفادي وقوع مثل تلك الحوادث في المستقبل.

كما يمكن للجنة إحالة قضايا بعينها للنائب العام في حالة وجود شبهة جنائية، وتقديم ملف كامل بنتائج تحقيقاتها للنيابة العامة لاتخاذ الاجراءات اللازمة. أما في حالة وجود مخالفة إدارية فتحيل اللجنة القضية الى الإدارة المختصة أو المجالس التأديبية المعنية داخل وزارة الداخلية، أو النيابة الإدارية.

تشكيل اللجنة:

يجب أن تتكون اللجنة من اعضاء مستقلين عن اجهزة الدولة القضائية والتنفيذية والتشريعية. ويجب أن يحتوي تشكيل اللجنة على خبير واحد على الاقل من كل من المجالات الأتية: القانون الجنائي والطب الشرعي والطب النفسي والأدلة الجنائية.

لجنة مستقلة للتفتيش على أماكن الاحتجاز والوقاية من التعذيب

أما عن هذه اللجنة فتختلف عن سابقتها في كونها ليست بجهة تحقيق أو تلقي شكاوى. والهدف من استحداثها هو هدف وقائي في المقام الأول. وبرغم أن الفلسفة الوقائية في التعامل مع التعذيب وسوء المعاملة في أماكن الاحتجاز حديثة نسبياً إلا أنها أثبتت نجاحها في أكثر من دولة طبقت هذا النموذج.

اختصاص اللجنة:

وتختص اللجنة بزيارة السجون وأماكن الاحتجاز والمراكز ذات الصلة، بما فيها أماكن الاحتجاز غير الرسمية، أو أي مكان أو بناء حيث يوجد شك في وجود شخص محتجز بشكل غير قانوني. وذلك  من أجل تقدير ومعاينة ظروف المحتجزين وتقديم التوصيات. بغية العمل على تعزيز حماية المحتجزين من التعذيب وكافة أنواع سوء المعاملة وتحسينا لأوضاع بأماكن الاحتجاز.

وتعتبر أهداف عمل اللجنة وقائية في الأساس، فتكرارالزيارات يمنع وقوع الانتهاكات. هذا بالإضافة الى رصد المشاكل والانتهاكات وخلق حوار مع السلطات المعنية لتحسين الأوضاع.

سلطات اللجنة:

تقوم اللجنة بزيارات تفتيش شاملة معلنة، بالإضافة إلى زيارات قصيرة غير معلنة (دون إعلان أو إذن مسبق من السلطات).

وتقوم اللجنة أثناء الزيارات بإجراء مقابلات مع عدد كبير ومتباين من الموقوفين أو المحتجزين، مع ضمان سرية المعلومات والحق في عدم الكشف عن الهوية.

وتمتلك اللجنة الصلاحية للوصول لجميع أماكن الاحتجاز داخل المقر الخاضع للتفتيش، ومقابلة جميع الأشخاص الذين ينبغي مقابلتهم من مسئولين ومحتجزين. ولها الحق في إجراء المقابلات في خصوصية ودون وجود شهود.

كما تمتلك اللجنة صلاحية الحصول على كافة المعلومات المطلوبة لمباشرة عملها، وتشمل: سجلات السجون، والجداول والبيانات، بالإضافة إلى السجلات الطبية، ومعلومات عن التدابير الصحية، والسجلات التأديبية والانضباطية.

أما عن الاجراءات التي تستطيع اللجنة أن تتخذها فتتضمن مخاطبة وتقديم التوصيات والملاحظات إلى السلطات المعنية وتشمل مأمور القسم أو الموظف المسئول عن مكان الاحتجاز وكل من هو مسئول عن أماكن الاحتجاز في الأجهزة التنفيذية وصولا إلى الوزير المسئول، بالإضافة إلى رفع التقارير الدورية وغير الدورية عن أماكن الاحتجاز التي خضعت للتفتيش إلى البرلمان والمؤسسات المعنية. وتتضمن التوصيات المقدمة للسلطات التنفيذية والتقارير الفرعية عن متابعة تنفيذ التوصيات.

تشكيل اللجنة:

يستوجب عمل هذه اللجنة أيضا أن تكون مستقلة تماماً عن الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية. ويتضمن تشكيلها  أفراداً من أصحاب الخلفيات المهنية المختلفة. ويفضل أن يتكون تشكيل اللجنة من محامين من أصحاب التخصص في حقوق الإنسان والقانون الجنائي، ومعهم عدد من الأطباء بمن فيهم الأطباء النفسيين والأطباء الشرعيين، بالإضافة إلى مندوبين عن منظمات المجتمع المدني، والإخصائيين الاجتماعيين.

 

ثانيا: تغيير الفلسفة الشرطية في اللجوء إلى القوة وتعديل القوانين والقرارات المنظمة لاستخدام القوة والسلاح

تعتبر الاقتراحات المفصلة أعلاه هي الحد الأدنى من التدخلات العاجلة التي تستطيع الحكومة الحالية البدء في تنفيذها الآن للحد من حجم مشكلة العنف المتزايد والمنهجي في عمل الشرطة. ولكن الآليات الرقابية هي مجرد واحدة من الأدوات المتاحة والتي تسعى لأن تمنع الواقعة قبل حدوثها أو التحقيق في ملابساتها بعد وقوعها، ولكنها لا تتعامل مع جذور وأسباب انتشار ظاهرة العنف المفرط واللجوء السريع للقوة القاتلة في جهاز الشرطة.

ومن هنا فإننا نرى أن هذه الخطوات العاجلة يجب أن تتبعها تدخلات على أكثر من مستوى للتعامل مع جذور المشكلة. وكانت المبادرة المصرية كأحد أعضاء "المبادرة الوطنية لإعادة هيكلة الشرطة ـ شرطة لشعب مصر" قد تقدمت بمشروع قانون للجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب، يهدف إلى إدخال بعض من هذه التعديلات اللازمة على قانون هيئة الشرطة.

ومن ضمن التعديلات المقترحة كانت التعديلات المتعلقة بصلاحيات وسلطات الشرطة، بما فيها تعديلات على  المواد المنظمة لاستخدام القوة والأسلحة النارية بحيث تتفق مع المعايير الدولية، وبحيث يقتصر استخدام الأسلحة النارية على الضرورة القصوى شديدة الاستثنائية، مع التأكيد على أنه لا يجوز استخدام السلاح بغرض القتل في جميع الأحوال، وبحيث تراعي قواعد التناسب والضرورة والمشروعية، والتي تعد من أساسيات اللجوء إلى القوة والتي لا يسمح لضباط الشرطة في الدول الديمقراطية باستخدام السلاح إلا بعد أن يكونوا قد تدربوا عليها وعلى تطبيقها في السياق العملي.

 كما يقترح مشروع القانون توضيح أنواع الأسلحة المسموح باستخدامها في اللوائح التنفيذية وطرق تخزينها واستحداث إجراءات لتدريب ضباط الشرطة على استخدام الأسلحة وقواعد الاستخدام الآمن ومهارات التفاوض وحل المنازعات وإجراءات لتجديد ترخيص استخدام الأسلحة داخل جهاز الشرطة بصفة دورية. ومن هنا أيضا تأتي أهمية مراجعة القرارات الوزارية المنظمة لعمل الشرطة وليس فقط قانون هيئة الشرطة، ومراجعة مناهج التدريب والتدريس في أكاديمية الشرطة.

ثم يظل هناك الجانب المتعلق باصلاح الأفراد، والذي بدونه سيصعب تحقيق أي من أهداف الاقتراحات المبينة أعلاه، والتي لن تحدث بدون عملية "غربلة" أو إعادة هيكلة حقيقية وهي العملية الأكثر تعقيدا والتي تحتاج الآن على الأقل للبدء في مناقشة كيفية تفعليها. وكانت مبادرة شرطة لشعب مصر قد قدمت أيضا مقترحا تفصيليا في مشروع القانون ومعه مذكرة ايضاحية يقضي بانشاء لجنة مستقلة لإعادة هيكلة وزارة الداخلية، تضطلع بمهمة القيام بمسح شامل لجهاز الشرطة وإصدار تقرير يطرح تصورا جديدا للهيكل التنظيمي لجهاز الشرطة والتوصيف الوظيفي للعاملين بالإدارات المختلفة والاحتياجات العددية للإدارات الجديدة من عاملين. ثم تباشر اللجنة عملية فحص سجلات العاملين بجهاز الشرطة حسب الأولويات التي يحددها التقرير على أساس معياريي الكفاءة والاستقامة، وتتخذ قرارات متعلقة بأهلية العاملين بالجهاز للاستمرار في العمل الشرطي أو بالاستبعاد أو النقل أو الإبقاء طبقا لنتيجة التقييم والذي لا يقتصر فقط على فحص سجلات الوزارة وإنما أيضا على جلسات استماع للمواطنين وللعاملين الخاضعين للفحص.

 

لن يتوقف سقوط المزيد من الضحايا دون تغيير السياسة الأمنية وإعادة النظر في فلسفتها بشكل جذري. ولا ثقة بين الشعب وجهاز الشرطة يمكن ترسيخها بغير اطمئنان من الناس بأن حكم القانون يظلل العمل الشرطي.

فريق التقرير:

قام برصد وتوثيق الحالات الواردة في هذا التقرير فريق وحدة العمل الميداني بالمبادرة المصرية: منار كامل ومروة بركات وعبد الرحمن هاني وشيماء عاطف وبولا عادل وحمدي خلف ومحمد حنفي وعلاء فاروق ومحمد بكير ومحمد خضر ومحمد نوبي وأحمد صالح. 

وقام بكتابة هذا التقرير وتوثيق عدد من الحالات الواردة فيه فريق وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة: كريم مدحت عنارة ورضا مرعي ورفيق عبد الرحمن وماجدة بطرس.

كما قام كل من جاسر عبد الرازق وعبده البرماوي وحسام بهجت بمراجعة التقرير.

 



[1]في النموذج المتبع في ايرلندا الشمالية على سبيل المثال، في حالة وقوع وفاة ناتجة عن تعامل الشرطة يتم تنحية المباحث الجنائية تماما، وتقوم اللجنة المستقلة بدور المباحث الجنائية. فلا يحق للمباحث الجنائية الوصول الى موقع الحادث، ورفع الأدلة لأن هذه المهمة في هذه الحالة تدخل في نطاق اختصاصات اللجنة المستقلة فقط.