تعليقات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حول مسودة الدستور: المواد المتعلقة بحرية العقيدة في مسودة الدستور (2، 3، 4، 76، 81، 219)

بيان صحفي

16 ديسمبر 2012

تفصح المواد المتعلقة بالحريات العامة وعلاقتها بالدين في مسودة الدستور المطروحة للاستفتاء عن أمرين أساسيين حكما صياغة هذه المواد:

تكشف أولا عن سيطرة مجموعة من الهواجس السلطوية والطائفية يشكل اقحامها في نصوص دستورية تهديدا لدولة المواطنة والمساواة، وبشكل يبتعد عن الانحياز للحريات الدينية او للحقوق للحريات بشكل عام 

ثم ثانيا تكشف عن محاولة صنع "توازن هش" وحل وسط مأزوم بين ضمان الحقوق والحريات وبين هذه الهواجس عبر كوابح عقائدية وشرعية أنتجت نصوص تضع الحقوق الحريات في ساحة صراع بدلا من أن تضمنها وتحميها.

1- بين الحريات الأساسية و"الشريعة".. تأسيس لتناقض وصدام بين نصوص الدستور: 

المادة الثانية التي بقيت على نصها كما هو في دستور 1971 والتي تنص على إن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ولكن تم تدعيمها بالمواد (4) الأزهر والنص على أخذ رأي هيئة كبار علماء الأزهر في الأمور بالمتعلقة بالشريعة الإسلامية والمادة (219) لتفسير مبادئ الشريعة بما يجعلها بابا للتراث الفقهي القديم كله و(81) (تمارس الحريات والحقوق بما لا يتعارض مع مقومات الدولة والمجتمع ) وهذه المواد مجتمعة تدفع بالنص على دين الدولة في اتجاه ممارسات طائفية وسلطوية باسم الدين يجعل من التراث الفقهي ومرجعية الفقهاء مرجعا دستوريا للتحفظ على التشريع وعلى حدود ممارسة الحقوق والحريات يهدد بصدام بين ضمانات الحفاظ على هذه الحريات والحقوق التي ينص عليها الدستور، وبين ما يمتليء به التراث الفقهي وآراء الفقهاء المعاصرين من أطياف واسعة من الاجتهادات بعضها يطيح بعضها تماما بالحريات الأساسية والحقوق والمساواة فيها. 

كما أن المادة (76) التي تنص على أنه (لا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني) متناقضة في ذاتها لأن الدستور ليس مجالا للنص على عقوبات ولكن صياغتها الغامضة تهدد بفتح باب الجدل حول الزج بعقوبات من الشريعة بحسب التراث الفقهي استنادا للنصوص الدستورية السابقة. 

2-  التهديد باستدعاء مرجعية دينية وتأسيس لصدامات بينها وبين مؤسسات الدولة الديمقراطية:

النص على هيئة كبار العلماء كهيئة يجب أن يؤخذ رأيها في تفسير الشريعة كأحد مصادر التشريع في المادة (4) يعد منحا لمؤسسة دينية وغير منتخبة دورا في التشريع بما ينتقص من حق الشعب في التشريع بحرية، وهو أساس الديمقراطية، وينتقص من حق ممثلي الشعب في استشارة أو عدم استشارة من يشاؤون بدون إلزام، كما أنه يهدد بصدام بين المؤسسة القضائية التي تمارس الرقابة الدستورية على التشريع وبين الأزهر وهو ما ينذر بصدام بين مؤسسة لعموم المواطنين وبين مؤسسة تنتمي لطائفة من المواطنين. كما تمثل المادة الدستورية تمييزا لمؤسسة دينية بعينها دون باقي المؤسسات او الأفراد على حق الاجتهاد المستمد من الشريعة وتكريسا لوصايتها.

وحاول النص الدستوري فيما يخص الأزهر تحقيق توازن بين الرغبة في إقرار مرجعية دينية وبين مطالب استقلال الأزهر. فجاء النص متناقضا وأكد استمرار تبعية الأزهر للدولة بنص دستوري حيث لا يزال ينظم القانون – الذي يضعه البرلمان – شئون الأزهر، بينما تنص المادة نفسها على أن الأزهر وحده قائم على شئونه. وهو ما يفتح الباب لمحاولة تنظيم شئون الأزهر وتنظيم طريقة اختيار هيئة كبار العلماء نفسها وفقا لقانون يصدره البرلمان وبطريقة تقدم أغراض التيارات السياسية في البرلمان ليعود الأزهر ويقوم بدوره الاستشاري للبرلمان، وذلك في تجاهل لحق أبناء الأزهر في تحديد طريقة الاختيار وجواز عزل شيخ الأزهر من عدمه. وفي المجمل يبقي الأزهر رهنا لقوانين تصدرها السلطة التشريعية وتصدق عليها السلطة التنفيذية وهو ما يمثل استمرارا لتبعية الأزهر للدولة. وبذلك يستمر النص في تجاهل معنى الاستقلال الحقيقي لمؤسسة الأزهر بعيدا عن الدولة وعن توازن السلطات والصراعات  السياسية.

3- التهديد بمطاردة الأقليات الصغيرة وحرية التعبير: 

محاولة صنع هذا توازنات هشة بين ضمانات الحقوق والحريات وبين المرجعيات الشرعية المختلفة كما سبق أدى لنصوص تؤسس للتناقض والصدام داخل الدستور نفسه.

 ومحاولة صنع هذا التوازن تتغافل عن أن الوضع الدستوري والقانون الحالي وفق دستور 1971 يستخدم نص المادة الثانية بالأساس وعبر أحكام وتفسيرات قضائية وممارسات للدولة المصرية في تقييد الحريات الدينية لبعض الطوائف بزعم مخالفتها للنظام العام – مثل البهائيين وشهود يهوه – أو اعتبار عقائدهم نفسها "ازدراء للدين" – مثل الشيعة والأحمدية. كما يمثل عدوانا على حرية الرأي والتعبير في مطاردة أصحاب المواقف العقائدية المختلفة والآراء المخالفة للسائد. الوضع الحالي إذن بما يتضمنه من تمييز وتقييد يمثل عدوانا على حقوق وحريات مواطنين مصريين كان هاجسا لواضعي مسودة الدستور، لا لتغيير هذا الوضع ورفع التمييز والعدوان. ولكن لتحويله إلى وضع دستوري. فجاءت المادة 43 لتطيح دستوريا بحقوق المصريين المنتمين لعقائد لا تنتمي للأديان الثلاثة وتؤسس لتمييز ضدهم وقصر حرية إقامة دور العبادة على الطوائف المنتمية للأديان السماوية الثلاثة، ولتطيح بمبدأ المواطنة الذي يقضي في المادة الخامسة بتساوي كل المواطنين في الحقوق.

4- استدعاء مرجعيات دينية غير اسلامية مهيمنة على طوائفها:

وكما ان هناك محاولة في تأسيس سلطة دينية طائفية "اسلامية" تكرسهما المادتين 4 و 219،رأينا محاولات اخرى لتكريس تلك السلطة من زاوية اخرى، حيث تنص المادة (3) من الدستور على أن مبادئ شرائع المسيحيين واليهود هي المنظم لقوانين أحوالهم الشخصية، وهو الأمر الذى يعيد إنتاج النظام الملي العثماني السابق على الدولة الدستورية الحديثة، وهو نص لا حاجه له في ضوء وجود نص على حرية العقيدة وفى ضوء ان قوانين الأحوال الشخصية في مصر مستمدة بالفعل من الأحكام الدينية لكل طائفة، الا إنه لا يمكن فهم هذه المادة الا في اطار تصور عن توزيع مكاسب طائفية للأقليات في مقابل السلطات الطائفية التي تم تأسيسها كما سبق توضيحه، كما أنه يؤسس لتصادم آخر بين حق المواطنين المنتمين لأديان أخرى غير الإسلام في التمتع بحقوقهم التي كفلها الدستور ولو عارضتها اجتهادات مؤسساتهم الدينية، والمثال الأبرز لذلك هو مطالبة بعض المسيحيين الأرثوذكس بحق الطلاق والزواج مرة أخرى وهو ما يكفله لهم الدستور من ناحية ولكنه يقيده من ناحية أخرى ويجعل من اجتهادات الكنيسة حاكما لهذا الحق.