حصاد يومين من جرائم ضباط قسم شرطة ميت غمر: قبض عشوائي وعنف مفرط وتعذيب حتى الموت ثم قتل بدم بارد

بيان صحفي

20 سبتمبر 2012

اتهمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عددا من ضباط قسم شرطة مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بقتل وتعذيب وإصابة مواطنين مساء الأحد 16 سبتمبر، وفجر الاثنين 17 سبتمبر. وطالبت المبادرة المصرية بالتحقيق الفوري في الوقائع، ووقف الضباط المتهمين عن الخدمة لحين الانتهاء من التحقيقات. 

ووصف كريم عنارة، الباحث بقسم العدالة الجنائية الواقعة: "بالمزعجة للغاية"، "خاصة عندما نضعها جنبا إلى جنب مع حوادث عدة مماثلة نتج عنها قتلى نتيجة لعنف الشرطة في الأشهر الأخيرة. وهذا النمط من الحوادث يوضح  أن قوات الشرطة قد فقدت أي احترام للقانون وللكرامة الإنسانية، وتتعامل مع الشعب باعتباره عدوا يجب فرض السيطرة عليه، ولو بالقتل العمد، وليس بوصفه صاحب حق يجب توفير الأمن له. في اليوم نفسه نشهد عملية قبض عشوائي باستخدام العنف المفرط من قِبل ضباط القسم، ثم يعذب أحد أبناء القرية حتى الموت داخل القسم لمجرد محاولته تحرير محضر، وتستمر الانتهاكات الجسيمة بقتل وإصابة اثنين لا يحملان سلاحا بدم بارد ومع سبق الإصرار والترصد."

وكشفت تحقيقات المبادرة المصرية ـ التي قضى باحثوها الأيام الأربعة الماضية في ميت غمر ـ عن رواية مغايرة تماما لرواية وزارة الداخلية، والتي تبنتها معظم وسائل الإعلام، وادعت فيها أن عددا من الأهالي وكذلك "المسجلين خطر" قد قاموا بمحاولة اقتحام لقسم الشرطة وذلك بعد القبض على سبعة من "المسجلين". وأكدت تحقيقات المبادرة المصرية، التي سوف تنشر لاحقا بالتفاصيل مشفوعة بالأدلة (ومنها شهادات طبية وصور وفيديوهات) أن المشكلة قد بدأت مساء الأحد 16 سبتمبر بقيام قوة من القسم بالهجوم على عدد من المقاهي، وضرب المتواجدين فيها، وتوجيه السباب لهم وتكسير المحال، وهو ما دفع الأهالي إلى أن يعترضوا على هذه المعاملة التعسفية، وتجمهر عدد منهم أمام القسم احتجاجا عليها. 

وتوجه عاطف المنسي، أحد رواد واحد من تلك المقاهي، لقسم الشرطة بصحبة والدة محمد عبد اللطيف صاحب المقهى لتحرير محضر ضد الضابط الذي اعتدى على السيدة بالضرب، فما كان من ضباط وأمناء القسم إلا أن اعتدوا على عاطف بكعوب البنادق، واصطحبوه داخل القسم لتعذيبه. ثم كرروا المشهد نفسه مع مصطفى محمد مصطفى(30 سنة، عامل بإحدى الورش في منطقة "وش البلد") والذي كان بصحبة عاطف وقتها. وبعد أن اكتفى الضباط والأمناء بضرب مصطفى وعاطف أطلقوا سراحهما، فخرج مصطفى ماشيا على قدميه، إلا أن عاطف كان في حال ينبغي فيها حمله إذ كان فاقدا للوعي. واصطحبه البعض على دراجة بخارية إلى مستشفى التأمين الصحي القريبة من قسم الشرطة، إلا أنه توفى من آثار التعذيب قبل وصوله. 

وعلى إثر وفاة عاطف، اندلعت اشتباكات بين عشرات من الأهالي والشرطة، وتراشق فيها الجانبان بالحجارة. وقبل العاشرة مساء خرج ضباط وأمناء من القسم مسلحين بالبنادق والأسلحة الآلية، ومنهم – طبقا لشهادات الشهود – الملازم أول كريم عبد الفتاح البرعي، والضباط أحمد فريد، ومحمود الجمل، علاوة على معاون المباحث الذي يعرف باسمه الأول فقط "كريم" وضابط يسمى "مهدي"، وبادروا بإطلاق الرصاص الحي في الهواء، ثم سرعان ما وجهوه مباشرة لأجسام المتظاهرين، الأمر الذي أسفر عن مقتل السيد العادل محمد عبد اللطيف الشهير "بالسيد عسلية" (عامل، 24 سنة)، وإصابة رامي محمد إصابة خطرة، يرقد على إثرها الآن بمستشفى الطوارئ في المنصورة. كما أصيب آخرون من المارة على الكورنيش بالرصاص الطائش. 

وجمعت المبادرة المصرية عددا من الشهادات المتطابقة عن مقتل السيد محمد عبد اللطيف وإصابة رامي محمد، من شهود كانوا متواجدين خارج القسم. بالإضافة إلى محامين تصادف أن تواجدوا داخل قسم الشرطة عندما بدأت الاشتباكات. ووصفت تلك الشهادات المشهد بدقة، حيث أفادت بأنه بعد أن بدأ الناس في التجمهر خارج القسم على إثر احتجاز المعتقلين من المقاهي، وضرب وسحل عاطف المنسي، خرج ضباط الشرطة ووراءهم عدد من الأمناء، وبدءوا في إطلاق النار بالأسلحة الآلية وبالطبنجات. وكان عدد المواطنين المتجمهرين وقتها لا يزيد عن عشرين شخصا، ولم تكن هناك أي محاولات لاقتحام بوابة القسم الرئيسية، حتى وهي التي تبعد عن مبنى القسم نفسه 50 مترا أو أكثر. 

وبعد أن بدأ المتجمهرون في الجري مبتعدين واصل اثنان من الضباط إطلاق الرصاص، وجروا خلف المتظاهرين، فذهب أحدهم في اتجاه المركز التجاري الذي يبعد مسافة بسيطة عن قسم الشرطة، بينما ذهب الآخر في الاتجاه المقابل. ولم يتوقف الضابطان عن إطلاق النار طوال الوقت، وفي هذه اللحظة قتلا السيد عبد اللطيف، وهو لم يكن يحمل شيئا في يده وقتها، وأصابا رامي محمد، والذي كان واقفا أقرب إلى الكورنيش. ويؤكد الشهود أن جثة سيد عبد اللطيف ظلت ملقاة أمام الجزيرة التي تتوسط شارع البحر، وأن الضباط التفوا حولها ثم تركوها عائدين إلى داخل قسم الشرطة.

وتقدمت المبادرة المصرية ببلاغ للنائب العام يطالب باستخراج جثث الضحايا وإعادة التشريح وتحديد أسباب الوفاة، حيث كانت تصاريح الدفن قد صدرت دون تحديد أسباب للوفاة في حالة سيد الذي قتل بطلق ناري، وبسبب التدافع والاختناق في حالة عاطف الذي توفى نتيجة التعذيب. وطالبت المبادرة المصرية النائب العام أيضا بنقل التحقيق إلى النيابة الكلية بمدينة المنصورة حفاظا على سلامة التحقيقات.

وقد تلقت المبادرة المصرية صباح اليوم رسالة تلغرافية يعلن فيه أهالي الضحايا والمتضامنون معهم بدء إضراب عن الطعام "احتجاجا على قتل اثنين والشروع في قتل الثالث، واعتراضاً على سياسة التعامل بالرصاص الحي المستمرة".

وتابع كريم عنارة قائلا: "للأسف ليست هذه الواقعة الوحيدة من نوعها، بل تعكس بجلاء المنهجية التي تتعامل بها الشرطة على نحو أقرب لعصابة مسلحة، تحاول فرض سيطرتها بالعنف على المجتمع. وتوجد مؤشرات لتكرارها في أكثر من منطقة، وأحداث التعذيب والقتل تزداد يوما بعد يوم". وحذر عنارة: "هذا التطور خطير للغاية، وإذا لم يواجه من قبل الدولة وتنتج عنه مراجعة شاملة للسياسة الأمنية وإعادة هيكلة لوزارة الداخلية فسوف تزداد حالات العنف  وتزداد إراقة الدماء."