في أحداث رملة بولاق: الضابط المتهم بالقتل مطلق السراح وأهالي المنطقة ضحايا للاعتقالات العشوائية والترويع

بيان صحفي

14 أغسطس 2012

أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم نتائج تحقيقاتها في أحداث منطقة رملة بولاق أبو العلا بوسط القاهرة، والتي شهدت اشتباكات بين سكان المنطقة وقوات الشرطة يوم 2 أغسطس الجاري في أعقاب قيام ضابط بشرطة السياحة بإطلاق الرصاص على أحد سكان المنطقة مما أدى إلى مصرعه.

وانتهت تحقيقات المبادرة المصرية إلى توثيق جملة من الانتهاكات التي تعرض لها سكان المنطقة من بينها القتل العمد، والاستخدام المفرط للأسلحة النارية والغاز المسيل للدموع، والمداهمات العنيفة للمساكن وتحطيم محتوياتها وترويع ساكنيها، وشن حملات القبض العشوائي، وتعريض المقبوض عليهم ـ وبينهم أطفال ـ للتعذيب أثناء الاحتجاز. 

وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "إن الانتهاكات التي قمنا بتوثيقها على مدى الأيام الماضية تكشف عن رواية للأحداث تتناقض كلية مع تغطية أغلب وسائل الإعلام للأحداث، وتستوجب تحقيقا فوريا مع ضباط الشرطة المسئولين عنها وتقديم من يثبت تورطه إلى المحاكمة الجنائية وتعويض الضحايا الذين تم إظهارهم في وسائل الإعلام في صورة الجناة والمعتدين."

وكان أهالي منطقة عشش رملة بولاق قد تجمعوا أمام أبراج نايل سيتي المتاخمة لمنطقة العشش ـ والتي تضم مركزا تجاريا وإداريا وفندق فيرمونت ـ في يوم الخميس الموافق 2 أغسطس عقب علمهم بخبر مقتل أحد سكان المنطقة ويدعى عمرو فتحي عامر الشهير بـ"عمرو البني" على يد ضباط أمن أبراج نايل سيتي برصاصة في الظهر.

وقد أشارت التقارير الأولية لوسائل الإعلام أن القتيل كان يفرض ـ وغيره من سكان المنطقة - أتاوات على ملاك أبراج نايل سيتي وأنه حاول اقتحام الفندق لأخذ الأتاوة وقاومه ضباط الأمن مما أدى لنشوب مشاجرة انتهت بقتل عمرو البني. إلا أن الشهادات المتطابقة لعدد من شهود العيان الذين تحدث إليهم باحثو المبادرة المصرية تظهر أن عدداً كبيرا من شباب المنطقة –ومن بينهم أغلب المحتجزين الآن ـ كانوا يعملون برواتب شهرية في تأمين الأبراج منذ تطوعهم لحمايتها من السرقة والإتلاف أثناء غياب الشرطة في يناير 2011، ويحمل بعضهم كارنيهات انتساب للفندق ـ حصلت المبادرة المصرية على صورة لأحدها ـ معتمدة من مدير أمن الأبراج السابق عمرو الدالي.

كما أجمع شهود العيان على أن عمرو البني لم يكن يحمل أي أسلحة، وأنه توجه إلى الفندق لتحصيل مستحقاته الشهرية كما اعتاد في بداية كل شهر، إلا أن مدير أمن الفندق الجديد كان قد أصدر فيما يبدو تعليمات بوقف المدفوعات الشهرية المنتظمة منذ مطلع العام الماضي ومنع مستحقيها من الدخول. كما تؤكد الشهادات المتطابقة أن ضابط الشرطة أطلق رصاصة أصابت رجل القتيل في البداية ـ وهو ما كان كافيا لدرء الخطر في حال وجوده ـ ثم عاجله برصاصة أخرى في الظهر أدت إلى مصرعه دون وجود ضرورة وفي ظروف تشير إلى جريمة قتل عمدي. ولم تصدر مصلحة الطب الشرعي تقريرها عن الوفاة حتى هذه اللحظة.

وأشارت الشهادات أيضا أن أنور رمضان ـ أحد سكان المنطقة ـ كان أول من وصل إلى الفندق بعد إطلاق الرصاص على عمرو البني، وأنه حمل جثته إلى سيارة إسعاف خارج المبنى لكن المسعفين أخبروه بأن البني قد لقي مصرعه نتيجة الإصابة ونصحوه بإعادة الجثة إلى نفس المكان الذي وجدها فيه لحين وصول محققي النيابة. وعندما عاد رمضان إلى الفندق حاملا الجثة نشبت مشادة كلامية بينه وبين نفس الضابط، قام الأخير على إثرها بإطلاق الرصاص على رمضان وأصابه بطلقة في رجله وفر هاربا. وذكر رمضان لباحثي المبادرة المصرية أنه اتصل بابنه مجدي واستدعاه ليصحبه إلى المستشفى نظرا لإصابته، وأن ابنه عند وصوله تعرض لإطلاق النار من عدد آخر من ضباط أمن الفندق مما أدى إلى إصابته بدوره برصاصة في الساق.

وعقب انتشار أنباء مصرع عمرو البني وإصابة أنور رمضان وولده مجدي على يد الشرطة خرج عدد من سكان العشش وقاموا بتحطيم واجهة الفندق وإشعال النيران في عدد من السيارات المتواجدة أمامه على كورنيش النيل، وتصدت لهم قوات قسم شرطة بولاق التي انضم إليها فيما بعد قوات الأمن المركزي. وانتهت المواجهات في الثامنة من مساء اليوم ذاته بعد أن قامت الشرطة بإلقاء القبض على 17 من سكان المنطقة جميعهم من الذكور، ومن بينهم طفل في الرابعة عشرة من عمره هو مصطفى مكرم محمد مصطفى. وشملت حملة القبض كلا من: هاني صديق حسان، وطارق صديق حسان، وبدوي رضوان القاضي، ورجب طه عباس، ومحمد نبيل حسن، ومحمد عبد الحفيظ أحمد سيد، وسيد عبد الحافظ سيد، ومحمد صابر أحمد، وكريم كامل سيد، ومحمد ناصر حامد، ومصطفى كرم محمد، وعماد عباس عبد العزيز، وسعيد محمد حمدي، وحسام مدبولي أحمد، وعامر السيد مرسي، ووليد حسن محمد.

وقد شكا السكان الذين التقى بهم باحثو المبادرة المصرية من استخدام قوات الشرطة للغاز المسيل الدموع بشكل مفرط داخل المناطق السكنية التي توجد بها العشش والتي تتميز بكثافة سكنية علية للغاية في مساحة مكانية شديدة الضيق، مما أسفر عن إصابة عدد من السكان ت وخاصة الأطفال ـ بالإعياء.

وتم عرض المقبوض عليهم في اليوم التالي ـ الجمعة 3 أغسطس ـ على نيابة حوادث قسم بولاق والتي وجهت لهم جميعا تهم إحراز سلاح ابيض، وإيقاف سيارات ملك الغير وقطع الطريق، وإتلاف منشأة سياحية، والبلطجة، ومقاومة السلطات والتلويح بالعنف ضد موظفي فندق فيرمونت القاهرة. كما وجهت النيابة تهمة حمل سلاح ناري خرطوش إلى أحد المتهمين. وأمرت النيابة بحبس 16 من المقبوض عليهم لمدة 4 أيام على ذمة التحقيق في القضية التي قيدت برقم 3842 لسنة 2012 جنح بولاق، بينما أمرت بتسليم الطفل مصطفى مكرم لأسرته. وفي يوم 5 أغسطس تم تجديد الحبس لجميع المتهمين لمدة 15 يوم على ذمة القضية. وفي الوقت ذاته أمرت النيابة بإخلاء سبيل الضابط المتهم بقتل عمرو البني ـ والذي أعلن أنه يدعى  ياسر علي ويحمل رتبة مقدم بشرطة السياحة ـ بعد التحقيق معه. 

وقد التقى باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أيضاً بالطفل عبد الله أنور رمضان والذي كان كل من والده وشقيقه قد أصيبا برصاص الشرطة، وروى كيف تعرض للقبض عليه في يوم الجمعة 3 أغسطس أثناء سيره في الشارع وتعرض للتعذيب بالضرب المبرح واللكمات التي أسقطت أغلب أسنانه الأمامية على يد أفراد الشرطة أثناء احتجازه لمدة يومين بقسم شرطة بولاق. وروت والدة الطفل لباحثي المبادرة المصرية أنها عندما رأت ولدها عقب إطلاق سراحه كان يحتفظ بأسنانه الأمامية في جيب قميصه، وأضافت أنها اصطحبت الطفل بعدها إلى مصلحة الطب الشرعي بزينهم لإثبات إصابته ومازالت في انتظار تسلم التقرير الطبي.

وبعد خمسة أيام من وقوع الاشتباكات تعرضت نفس منطقة العشش لحملة أمنية عنيفة في فجر الأربعاء الموافق 8 أغسطس، تضمنت مداهمات لكافة منازل المنطقة وتحطيم محتوياتها وترويع الساكنين فيها وإلقاء القبض بشكل عشوائي على أغلب الذكور المقيمين فيها. واستمرت حملة المداهمات والاعتقالات من الرابعة وحتى الثامنة صباحا. ثم عادت قوات الشرطة وداهمت المنطقة في مساء اليوم نفسه بعد غروب الشمس بنفس الدرجة من العنف ونفس العشوائية في الاعتقالات. ووصل عدد المقبوض عليهم خلال اليوم إلى حوالي 75 شخص.

وقد قام باحثو المبادرة المصرية بمعاينة المنطقة في مساء اليوم نفسه ولاحظوا التعمد في تدمير كافة أبواب ومحتويات كافة المنازل. وذكر أهالي المنطقة أن الضباط الذين شاركوا في عملية المداهمة كانوا ملثمين حتى لا يتم التعرف على هوياتهم، وأنهم قاموا بالتعدي بالسباب والضرب على الرجال والنساء دون تمييز. وذكر إحدى الشاهدات أن رجال الشرطة أثناء اعتدائهم على الأهالي كانوا يقولون "فين رجالة 25 يناير؟ فين رجالة الثورة يورونا نفسهم؟". كما تواترت شهادات عن قيام قوات الشرطة بسرقة أموال من بعض المنازل. ومع تكرار اعتداءات الشرطة علي المواطنين واعتقالهم رحلت بعض الأسر إلى بيوت أقاربهم خارج المنطقة خوفا على أبنائهم من الاعتقال، وكان أغلب من تبقى في المنطقة هم النساء والأطفال بعد أن تعرض الرجال للقبض عليهم أو فروا من المنطقة.

وقد قامت الشرطة بإطلاق سراح أغلب المقبوض عليهم في اليوم نفسه، فيما عدا عشرة أشخاص كانت أسماؤهم قد وردت في أمر الضبط والإحضار الصادر من النيابة، وهم: بدوي مرسي السيد، وسعد سيد بانوس، ومحمد سيد بانوس، وبانوس سيد بانوس، وسلامة عبد الناصر محمد، وخالد محمد أحمد، وعلي عبد الله أبو الدهب، وأحمد عبد الرحمن علي، وسيد عيد تهامي، وبلال محمد عبد الراضي. وقد وجهت النيابة لهم نفس الاتهامات الموجهة إلى المجموعة الأولى وأمرت بحبسهم 4 أيام على ذمة التحقيق، ثم أمر قاضي التحقيق لمحكمة شمال القاهرة بتجديد حبسهم 15 يوما على ذمة التحقيق. وروى بعض المحتجزين ممن تم إخلاء سراحهم لباحثي المبادرة أنهم قد تعرضوا للضرب على يد ضباط الشرطة أثناء احتجازهم.

وذكر أغلب من تحدث إليهم باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنهم يخشون من أن تكون حملة الترويع الحالية جزءا من الضغوط التي تمارسها الشركة المالكة لأبراج نايل سيتي من أجل شراء الأراضي التي يقيم عليها الأهالي والواقعة خلف الأبراج مباشرة. وكان محافظ القاهرة قد أصدر القرار رقم 8993 لسنة 2011 بشأن "الاستيلاء المؤقت على الأرض الواقع بها عشوائيات نايل تاورز" في 19 أكتوبر 2011، إلا أنه لم ينشر في الوقائع المصرية إلا بتاريخ 20 يونيو 2012.

وأضاف الأهالي أنهم واجهوا من قبل اتهامات بالتعدي على أملاك الدولة بالبناء وأن جميع هذه القضايا والاتهامات سقطت إما لثبوت الملكية الخاصة للأراضي أو لوجود عدادات كهرباء بتواريخ أقدم من تاريخ الاتهامات الموجهة إليهم تثبت حيازتهم المستقرة للأراضي. وأشار الأهالي أن وجود الملكيات الخاصة في المكان الذي يقيم فيه ما يقرب من 330 أسرة وفقا للإحصاءات الرسمية هو ما يعرقل خطة الحكومة ورجال الأعمال الطامعين في الاستحواذ على الأراضي بعد إخلائها من سكانها.

شاهد:
- فيديو المصري اليوم – "«سلاح الفانلات الداخلية» يظهر في «موقعة نايل سيتي»"
http://youtu.be/wRCJNszZH2Q

- فيديو أصوات مصرية – "الاشتباكات بين الشرطة وأهالي رملة بولاق"
http://youtu.be/zFISIPpOI1w

- فيديو مصرّين  - "خصخصة رملة بولاق"
http://youtu.be/3lSCAstp2uk