الأربعاء الأسود: هل تتذكر نوال علي؟ فلنراجع إذن تفاصيل الحكاية

24 مايو 2013

ربما لا يرن اسم"نوال علي" الأجراس في أذهان كثيرين. سيتذكر أكثر قليلا صورتها تلك. وسيتذكر أكثر بقليل ومضات من ظهورها الإعلامي وهي تحكي حكايتها. ربما لن يتذكر أحد كامل تفاصيل الحكاية.

الحكايات هي تفاصيلها. كم منا سيتذكر تفاصيل حكاية نوال والأربعاء الأسود؟ 

فلنراجع سويا تفاصيل الحكاية.

 

***

 

المشهد الأول

 

الزمان: 25 مايو 2005

المكان: أمام نقابة الصحفيين

الحدث: العشرات من حركة كفاية يتظاهرون احتجاجا على التعديلات الدستورية التي كان نظام مبارك بصدد تمريرها تمهيدا لتوريث حكم آل مبارك الى ابنه جمال.

 

احدى بطلات المشهد: نوال سيدة متوسطة العمر ذات شعر أشقر طويل تحاول اختراق كردون الأمن الذي يحاصر المتظاهرين أمام النقابة. تشرح للضابط أنها ليست بناشطة سياسية ولا عضوة بحركة كفاية. هي هنا لأنها صحفية سجلت في دورة للغة الانجليزية تابعة للنقابة، والآن الساعة الثانية ونصف موعد هذه الدورة وهي فقط تريد أن تدخل الى مكان الدورة داخل مبنى النقابة.

بعد شد وجذب مع الضابط الذي رفض مرورها، يدعها تمر عبر الكردون قائلا: "على مسئوليتك..هتتضربي جوّه".

 

تصعد نوال سلم النقابة فيتبعها ثلاثة من رموز الحزب الوطني الديمقراطي: محمد الديب، ومجدي علام، ومحمد حنفي. يعترض مجدي علام طريقها بجسده، ثم يعطي إشارة الهجوم إلى كتيبة من بلطجية الحزب الوطني (يضعون شارات تحمل أسماء هؤلاء القيادات الثلاثة، ويهتفون بتأييدهم للاستفتاء).

 

" كانت أيديهم تعبث بصدري، ويتحرشون بكل المناطق الحساسة من جسدي، مزقوا ملابسي واعتدوا علي بأيديهم... وقعت بوجهي على الأرض وفوجئت بعدد كبير من هؤلاء البلطجية فوقي، يتحرشون بي مرةً ثانية ويعبثون بكل مناطقي الحساسة. بدأت في الصراخ طالبةً النجدة وظللت أصرخ إلى أن فقدت الوعي. لم يكونوا يحاولون أن يضربونني، ولكنهم كانوا يعتدون علي جنسيًا، وكانوا يمزقون ملابسي بكل وضوح. وانتهى بي الأمر وأنا عارية تقريبًا نتيجةً لذلك...

سحلوني على السلالم، واخترقوا بي الحلقة الأمنية، وألقوا بي على الرصيف أمام جميع الضباط (كان منهم إسماعيل الشاعر رئيس مباحث القاهرة آنذاك) وكل من كانوا واقفين هناك.  خلع حسين متولي زميلي قميصه وغطاني به. وغادرنا قبل أن يتكرر الاعتداء".

***

 

المشهد الثاني

 

تتوجه نوال علي المواطنة المصرية المعتدى عليها إلى النيابة لتقديم بلاغ وفي يدها ملابسها الممزقة، وعلى جسدها علامات الاعتداء.

يرفض المحققون تسجيل شهادة شهود العيان الذين كانوا حاضرين أثناء واقعة الاعتداء.

ضباط أمن الدولة يروعون نوال وزوجها ووالدتها ويهددون: اما سحب البلاغ أو "مش هيحصل طيب".

ترفض نوال الاستجابة للضغوط.

فيُطلقها زوجها.

"مش هيحصل طيب".

ترفض نوال الاستجابة للتهديدات.

فتفصلها جريدة الجيل من العمل بتاريخ 11 يونيو 2005.

"مش هيحصل طيب".

تقرر نوال الخروج بقصتها إلى وسائل الاعلام. تظهر في ما تيسر من فضائيات لتحكي حكايتها. لم يكن ال "يوتيوب" منتشرا بعد، فلا تنتشر شهادتها كما ينبغي. يصل صوتها إلى المشاهدين في المنازل فحسب بينما تتواصل حملة ممنهجة للتشهير بها وإدعاء أنها هي من قامت بتمزيق ملابسها بنفسها "عشان ترمي بلاها". يتعاطف البعض معها بينما يسأل كثيرون السؤال الخالد "وهي ايه اللي ودّاها هناك؟"

تتجرع نوال مرارة الظلم حين كانت مرارته تمر علينا بلا صخب.

يقرر النائب العام عبد المجيد محمود بتاريخ 27 ديسمبر 2005 حفظ التحقيق في بلاغ نوال (وبلاغات زميلاتها) "لعدم الاستدلال على الفاعل".

***

 

المشهد الثالث

تتوجه نوال علي وعبير العسكري وشيماء أبوالخير وايمان طه الى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لمساعدتهن وتقديم شكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

يقدم محامي المبادرة المصرية ومنظمة اينترايتس الشكوى بتاريخ 18 مايو 2006.

وتتوالى جلسات نظر الشكوى في بانجول عاصمة جامبيا حيث مقر اجتماع اللجنة الإفريقية لمدة سبع سنوات.

يبارز محاميو المبادرة المصرية ممثلي الحكومة المصرية الشهادات والحجج، أوبمعنى أدق يتصدون للالتفاف الحكومي على الشهادات والحجج. يدفع ممثلو الحكومة المصرية بأن "التحقيقات لم تتبين في الأمر المعروض أي اهمال أوتقاعس أو تراخ أو تحريض من جانب ضباط الأمن"، وأيضا ب "عدم وجود أي أساس لوقوع جناية الاعتداء على الشرف".

تواصل نوال نزولها الى الشارع، تقرر بعد الواقعة المشاركة مع حركة كفاية. فقط تستعد بارتداء طبقات أكثر من الملابس يصعب تمزيقها. ترتجف أحيانا وتهمس لزميلاتها في المظاهرة "مستعدة للحبس وللضرب ولأي حاجة..بس مش لإني أتعرى في الشارع تاني".

ترحل نوال عن الدنيا في 2009 بعد صراع قصير مع مرض السرطان.

***

المشهد الرابع

نهار 14 مارس 2013:

يدخل المدير التنفيذي للمبادرة المصرية حسام بهجت مكتبه مبتهجا على غير المعتاد. فاليوم هو أحد الأيام القليلة التي يمكن أن يشعر فيها ناشط حقوقي بالانتصار. فبعد مضي ثمانية سنوات على "الأربعاء الأسود"، اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب تصدر قرارها بإدانة الحكومة المصرية، وتطالبها بإعادة فتح التحقيقات في وقائع الأربعاء الأسود ومحاكمة المتهمين، وتعويض كل من الشاكيات الأربعة (المرحومة نوال، وعبير وشيماء وايمان) عن الأضرار الجسدية والنفسية، وتلزم الحكومة بتقديم تقرير خلال 180 يوم بشأن تنفيذ الحكم.

 

يقرأ فريق عمل المبادرة المصرية تدوينة الفرحة التي كتبتها عبير العسكري ومنها: " جاء قرار اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بفتح التحقيق مرة اخرى فى هذا الحادث واقرار انتهاك مصر للميثاق والحكم بتعويض لكل ضحية، وليكون بمثابة صفعة قوية لحكومة المرشد التي تغمض الطرف عن الانتهاكات التي تتعرض لها النساء واستخدام ظاهره التحرش الجماعي بهم لكسر ارادتهم وكرامتهم وكبريائهم وعقاب لهن علي مشاركتهن وانخراطهن بالحياة السياسية ولتؤكد أن كل فتاه تعرضت لتلك الانتهاكات ستنال حقها مهما طال الأمد"

***

نعرف أننا نحارب طواحين الهواء متشبثين بحلم كان يُروى لنا في قصص الأطفال: "الخير سينتصر على الشر".

 

فقط لو أن نوال عاشت أطول قليلا لفرحت معنا بيوم واحد رأينا فيه قبسا من هذا الحلم الطفولي. لو حتى عاشت أقل قليلا من يوم صدور الحكم حتى تشهد أن من خرجوا عشرات في مايو 2005 صاروا ملايين في يناير 2011.

 

لن ننساك يا نوال كأيقونة لجنود ما قبل 25 يناير. وإلا ما اؤتمنا على حقوق وحكايات الآلاف من جنود ما بعد 25 يناير.

 

رابط اللقاء كاملا: http://www.youtube.com/watch?v=Le9I0j_sVR0
رابط لملخص اللقاء: http://www.youtube.com/watch?v=EOihuPPB0gg

  • تدوينة عبير العسكري عقب صدور الحكم: اضغط هنا