الفشل مستمر في ملف استعادة أموال مصر المنهوبة، تبعية اللجنة المختصة باسترداد الأموال لوزارة العدل وكثرة التغيرات بها تهدد عملية استرداد أصول مصر المهربة

بيان صحفي

12 فبراير 2013

وافقت لجنة الشئون التشريعية والدستورية بمجلس الشورى، يوم الأحد على مشروع قانون مقدم من وزارة العدل بشأن استرداد الأموال المنهوبة، ويقرر القانون إنشاء لجنة جديدة مختصة تكون هي الجهة الرسمية  المنوط بها إدارة هذا الملف. وتشكل هذه اللجنة—طبقا للقانون—برئاسة وزير العدل وعضوية كل من مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع، ومساعد وزير العدل للتعاون الدولي، وممثل عن النيابة العامة، وممثل عن قسم المنازعات بهيئة قضايا الدولة، وممثل عن وزارة الخارجية، وممثل عن الجهاز المركزي للمحاسبات، وممثل عن جهاز المخابرات، وممثل عن وزارة الداخلية، وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية وممثل عن وحدة مكافحة غسل الأموال، وممثل عن وحدة الرقابة على البنوك بالبنك المركزي المصري.

ويتضح من تشكيل هذه اللجنة سيطرة وزارة العدل والجهاز التنفيذي للدولة عليها، مما يُبقي وضع الملف على ما هو عليه ويحول دون الدفع قُدُما لاسترداد أموالنا المنهوبة من الخارج. ولا يختلف القانون الجديد كثيراً عن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 52 لسنة 2011، بتشكيل لجنة قضائية يرأسها مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع، ويكاد يكون الفارق الوحيد أن وزير العدل نفسه وليس مساعده هو من سيترأس اللجنة، مما يجعل كلتا اللجنتين على نفس القدر من التبعية للسلطة التنفيذية وعدم الاستقلالية والذي يمثل عائقا كبيرا، وبخاصة في ظل الاضطرابات السياسية الكبيرة التي تشهدها البلاد.  

وتكمن خطورة عدم استقلالية اللجنة المكلفة باستعادة الأموال المهربة، وتبعيتها للجهاز التنفيذي (الحكومة المصرية ممثلة في وزارة العدل) في خضوعها للتفاهمات والاعتبارات السياسية التي تتم بين رموز النظام الحالي والسابق، وصفقات التصالح المعلنة وغير المعلنة، وكذلك استمرار سيطرة بعض المنتمين إلى دوائر النظام السابق على الجهاز التنفيذي، وتوغل شبكات مصالحهم الأمر الذي من المتوقع أن  يعيق  عمل أية لجنة تابعة للجهاز خصوصا فيما يتعلق بجمع وتقديم أدلة ومعلومات بخصوص فساد نخبة مبارك الحاكمة وأماكن إخفاء أموالهم في تلك الدول، وذلك في ضوء الأداء المتواضع للجان التابعة لوزارة العدل وجهاز الكسب غير المشروع في خلال العامين الماضيين.  ومن المهم أيضا إدراك مدى تأثير عدم استقلالية لجنة استرداد الأموال على سير عملية استرداد الأموال في الخارج، فعلى سبيل المثال  قضت الحكومة السويسرية في ديسمبر 2012 بعدم جواز إطلاع الجانب المصري على ملفات الإجراءات الجنائية المتعلقة بأموال المصريين المجمدة لديها، بعدما أعطى النائب العام السويسري المصريين هذا الحق- كما حدث مع الجانب التونسي في مايو2012 - بشرط ألا تقوم السلطات المصرية باستخدام هذه المعلومات بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أية إجراءات جنائية أو مدنية أو إدارية. واستند قرار المحكمة الفيدرالية السويسرية إلى أن الحالة المؤسسية في مصر لا تضمن قيام الجهات المسئولة بالحفاظ على سرية المعلومات، بالرغم من توقيع الجانب المصري على اتفاقية تلزمها بحماية المعلومات قبل الانتهاء من المحاكمات التي تجرى حاليا في مصر.

ويمكن ارجاع قرار المحكمة السويسرية بعدم قبولها معاملة مصر كتونس بالأساس إلى أفضلية الوضع المؤسسي في تونس على نحو لا يجعل مجالا للمقارنة بين الدولتين . ويشير رئيس إدارة القانون الدولي في وزارة الخارجية السويسرية فالنتين زيلفيجر في رسالة إلى المبادرة المصرية في 4 فبراير 2013 إلى أن قرار المحكمة قد يبطئ من التعاون المصري السويسري في تحديد مصدر الأموال المجمدة في سويسرا، ولكنه أكد على التزام الجانب السويسري بإعادة أية أموال منهوبة إلى مصر في أقرب وقت ممكن. فعدم استقرار هذه المؤسسات في ظل الوضع السياسي السائد في مصر  يُصعِّب من فرص التعاون والدفع قدما بهذا الملف. وأكدت وزارة الخارجية السويسرية على حق مصر في تقديم طلبا جديدا للاطلاع على ملفات الإجراءات الجنائية في حالة تحسن الوضع المؤسسي في مصر واستقراره، مما يؤكد مجددا على أهمية تشكيل لجنة مستقلة ذات مصداقية بداخل وبخارج مصر لا تتبع الجهاز التنفيذي ولا تتأثر بالاضطرابات التي تحدث بداخله حتى يستطيع الجانب المصري المضي قدما وتقديم طلبا جديدا للاطلاع على ملفات الأموال المهربة.

ويظهر التخبط جليا في تغيير مسئولي اللجان التابعة لوزارة العدل، والذي غالبا ما يطرأ نتيجة التغييرات الوزارية، والتقلبات الكثيرة في الموازين السياسية التي شهدتها مصر بصورة شبه مستمرة منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير. فعلى سبيل المثال كانت اللجنة الأساسية التي تعمل على هذا الملف هي اللجنة التابعة لجهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل برئاسة المستشار عاصم الجوهري، والتي تشكلت بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مارس 2011، واستمرت في العمل إلى ما يقرب من العام ونصف العام. وبعد نجاح الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، وتشكيله لحكومة جديدة برئاسة الدكتور هشام قنديل، تم تنحية المستشار عاصم الجوهري جانبا في سبتمبر الماضي من قبل وزير العدل الجديد المستشار أحمد مكي، وتعيين المستشار يحيى جلال فضل بدلا منه. وشاعت أنباء في سبتمبر الماضي عن إصدار الرئيس محمد مرسي قراراً بتشكيل هيئة مستقلة عن وزارة العدل برئاسة المستشار محمد أمين المهدي والدكتور حسام عيسى نائبا له، ثم لم تلبث أن تراجعت هذه الأخبار، ولم يتم تشكيل اللجنة المستقلة بدون إبداء أي أسباب. وفي المقابل استمرت "لجنة يحيى جلال الفضل" في إدارة هذا الملف، بيد أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، إذ أن محكمة القضاء الإداري تنظر في دعوى تطالب بندب قضاة مستقلين يتولون ملف استرداد الأموال المهربة في الخارج، وقد ورد في الدعوى نقلا عن جريدة المصري اليوم في عددها بتاريخ 1 يناير 2013 ، أن: "هذه الهيئة يجب أن تتضمن قضاة مستقلين بمعزل عن وزارة العدل، يتولون تنفيذ السياسات التي نصت عليها (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد(،  والتي من شأن إعمالها عودة الأموال المهربة إلى خارج مصر قبل وبعد ثورة 25 يناير".

وتقترح المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بناء على تخاطبها مع العديد من الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في الخارج تشكيل لجنة مستقلة لا تتبع وزارة العدل ولا تترأسها شخصية حكومية، ويتسم عملها بالثبات والمنهجية فلا يتغير أعضاؤها وعملها بسبب التغييرات الوزارية أو الاضطرابات السياسية التي لا تتوقف. وتحذر المبادرة المصرية أن المضي قدما في تمرير وتطبيق  مشروع القانون المُقدم من وزارة العدل من شأنه إبقاء الوضع على ما هو عليه والحيلولة دون استرداد أموالنا المنهوبة في الخارج والتي هي من حق الشعب المصري الذي عانى طويلا من فساد النخبة الحاكمة، ويعاني الآن من تباطؤ الحكومة في محاربة ومكافحة الفساد والسعي إلى استرداد المليارات التي نهبت في خلال ثلاثة عقود. وينبغي أن تشمل اللجنة خبراء في مكافحة غسيل الأموال وخبراء في القانون الدولي ودبلوماسيين ومسئولي علاقات عامة، وعناصر من المنظمات الأهلية والمجتمع المدني، مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية للعمل على الزوايا والمستويات المختلفة لهذا الملف،  وهذا ما لا يتوفر في اللجان التي تنتمي لوزارة العدل والتي تعوق سير العملية أكثر من أن تدفع بها إلى الأمام.

*كتبه: أسامة دياب-الباحث بقسم العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية