مقدمة- 1.  لا تختلف مصر عن كثير من المجتمعات الأخرى التي تتشكل من أفراد وجماعات يعتنقون عقائد دينية مختلفة ويتبعون طوائف دينية متباينة. ولدى الكثير من المجتمعات القدرة على التعايش مع هذا الاختلاف، بل والبناء على هذا التنوع من أجل إثراء الحياة العامة. غير أن مجتمعات أخرى تفقد قدرتها خطأ أو عمدا على إدارة التنوع الكامن فيها بشكل قد يجعلها عاجزة عن ضمان التعايش المشترك بين جماعات المجتمع. ومن أهم أعراض الاحتقان الطائفي المجتمعي ظهور وتواتر أحداث عنف أو التوتر ذات الطابع الطائفي بين أفراد أو مجموعات من أتباع طوائف المجتمع، كتلك التي تشهدها مصر بوتيرة متسارعة في الأعوام الأخيرة. ومع مرور الوقت وغياب التدخل السليم من قبل الدولة ـ وتواطؤ بعض موظفيها أو أجهزتها في بعض الأحيان ـ فإن تلك الأحداث تزداد كثافتها وتتنوع أشكالها ومسبباتها وتتوسع رقعتها الجغرافية. وفي حالة وصول أي مجتمع إلى هذه الحالة فإن عليه أن يعي أنه يواجه خطراً حقيقياً يهدد بتحوله إلى طوائف منعزلة ومستقطبة، حيث تبدأ النزاعات بين مصالح تلك الطوائف، وتبدأ كل طائفة في استخدام ما لديها من قوة ونفوذ سواء لانتزاع ما قد تراه حقاً لها أو لوقف ما قد تراه تهديداً لمصالحها. وقد تنتهي الأمور إلى نزاعات أهلية واسعة النطاق كما حدث ولا يزال يحدث بالفعل في بعض البلاد وبعضها غير بعيد عن مصر جغرافياً.

2. إن العنف الطائفي من أخطر المشكلات التي قد تواجه أي مجتمع، والتي أصابت مجتمعنا المصري بالفعل، لأن هذا النوع من العنف يضرب المجتمع في جذوره وفكرته ويدفع به دفعاً إلى التفتت. ولذا فإن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تؤكد على أن التعامل مع ملف العنف الطائفي يتطلب إرادة سياسية واعية، وإدراكاً لمدى خطورة الملف، وعملاً جاداً ودءوباً لمواجهته، وتكاتفاً وتعاوناً من كافة سلطات الدولة، ومشاركة فعالة من المجتمع المدني لوضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد للتعامل مع هذا الملف وصولاً إلى تحجيمه ثم إنهائه.

3. ينكر الكثير من المسئولين التنفيذيين والأمنيين والتشريعيين وجود العنف الطائفي في مصر أصلاً، وهي الإشكالية الأولى التي يجب على الدولة المصرية التخلص منها: الإنكار. كما يهون البعض الآخر من العنف الطائفي، وتلك مشكلة أخرى: الاستخفاف. بينما يرى آخرون أنه مشكلة أمنية تتطلب الاستمرار في إعلان حالة الطوارئ واستخدامها لمعالجته، وهذه مشكلة ثالثة: قصر النظر. وهناك فئة رابعة من المسئولين يعتقدون أن العنف الطائفي مشكلة إحدى سلطات الدولة دون غيرها، وتلك مشكلة تتطلب المساءلة: هي التخلي عن المسئولية.

4. دأبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على رصد أغلب أحداث العنف الطائفي منذ بداية عام 2008، في إطار أوسع لرصد كافة تطورات ملف الحق في حرية الدين والمعتقد في مصر، إدراكاً منها لخطورته البالغة ولاستشعارها الخطر الذي تندفع البلاد إليه ورغبتها في الوصول لفهم أعمق للأوضاع في مصر وما آلت إليه تمهيداً للتصدي لهذا الخطر. وانطلاقاً من مسئولية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تجاه المجتمع، فإنها تقدم هذه الدراسة لكافة المسئولين في البلاد على تنوعهم، ولكافة أفراد المجتمع المصري، علهم يدركون مدى الخطورة ويبدءون في اتخاذ خطوات إيجابية تجاه التغيير، والقضاء على أعراض المجتمع الطائفي، والوصول لمجتمع صحي ومدني يتشكل من أفراد وجماعات يعتنقون عقائد دينية مختلفة وينتمون إلى طوائف متباينة، ويؤمن فيه الأفراد بالاختلاف عموماً والاختلاف الديني خصوصاً، وتكفل فيه كافة الحقوق والحريات لكافة المواطنين دون تمييز وتحترم فيه عقائد المصريين الدينية على اختلافها.