تعديلات اللائحة التنفيذية الجديدة لقانون البيئة تَوسّع خطر في استخدام الفحم، وأعباء صحية وبيئية جسيمة

بيان صحفي

18 مايو 2015

نشر قرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 964 لسنة 2015 في الجريدة الرسمية بتاريخ 19 أبريل 2015 بتعديل اللائحة التنفيذية لقانون البيئة، وتضمنت اللائحة المعدلة المعايير والشروط المتعلقة باستخدام الفحم. وقد كان من المرتقب صدور هذا التعديل منذ الإعلان عن قرار مجلس الوزراء باستخدام الفحم ضمن منظومة الطاقة في مصر في أبريل من العام الماضي، وهو القرار الذي اِتُّخِذَ رغم المعارضة الشعبية الواسعة له، ومعارضة عدد كبير من خبراء البيئة والطاقة وبعض الوزراء في الحكومة، وعلى رأسهم وزيرة البيئة آنذاك. بوجه عام، تمثل اللائحة الجديدة تراجعًا كبيرًا في مجال حماية البيئة في مصر، وتهدد الإجراءات والقواعد التي استحدثتها، بأخطار شديدة وبتدهور حاد للبيئة والصحة في مصر.

ولعل التوسع الكبير في استخدام الفحم هو أخطر ما مهدت له اللائحة، حيث أدرجت اللائحة صناعات جديدة، لم يكن قد تم بخصوصها أي ذكر أو نقاش من جانب أيٍّ من المسئولين والمعنيين من قبل. فقد تضمن ملحق 12 المتعلق بمعايير واشتراطات تداول واستخدام الفحم إلى جانب صناعة الأسمنت وتوليد الكهرباء منشآت أخرى جديدة هي منشآت الألومنيوم والكوك وصناعة الحديد والصلب، وتركت اللائحة الباب مفتوحًا للمزيد، حيث نصت على إدخال "أي منشاة أخرى يصدر لها قرار باستخدام الفحم من رئيس الوزراء". ويشير هذا التوسع بوضوح إلى أن استخدام الفحم، لن يكون لعبور أزمة حادة في الطاقة، ولكنه بغرض تحويل مصر، بحكم الأمر الواقع، إلى بلد يعتمد على الفحم اعتمادًا رئيسيًّا في إنتاج الطاقة، في إهدارٍ تام لإستراتيجيات الطاقة المطروحة ولأهداف التنمية المستدامة التي ترفع الحكومة شعارها.

لقد أكدت منظمات المجتمع المدني والعديد من خبراء البيئة مرارًا على العبء الصحي والبيئي الذي يسببه الفحم، حتى مع استخدام تقنيات منع التلوث. وقد قدرت دراسات عديدة في الدول المتقدمة العبء الصحي للفحم بالمليارات، وصل على سبيل المثال في الاتحاد الأوروبي إلى 42 مليار يورو سنويًّا،1 وأن الثمن الحقيقي لاستخدام الفحم بإضافة العبء الصحي يضاعف سعره حوالي ثلاث مرات ليصبح أعلى من سعر الغاز الطبيعي. وحتى في مصر، حيث قدرت دراسة أجرتها وزارة البيئة في العام الماضي أن العبء الصحي من استعمال الفحم في الأسمنت فقط يصل إلى 3.9 مليار دولار سنويًّا، وأن العبء الصحي من تشغيل محطة توليد كهرباء واحدة بالفحم يصل إلى 5.9 مليار دولار سنويًّا.

وطبقًا للائحة فالمنشآت التي ستستخدم الفحم تتبع صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، شديدة التلويث للبيئة بطبيعتها، وطبقًا لهذا التوسع فسيتم استخدام مئات الملايين من الأطنان من الفحم سنويًّا، يلزم استيرادها وتفريغها ونقلها وتخزينها بشكل آمن، والتعامل مع الانبعاثات الضارة من عشرات بل مئات المنشآت، ثم التصريف والتخلص الآمن من المخلفات الصُلبة والسائلة المحملة بالمواد المسرطنة والضارة لهذه الكميات الهائلة من الفحم في مدافن محكمة! فهل يمكن للمنظومة البيئية السيطرة على مثل هذا الوضع وهي غير قادرة حاليًّا على حماية البيئة قبل استخدام الفحم؟

من ناحية أخرى، يهدر التوسع في استخدام الفحم، الذي لا نملكه بل نستورده، بما يستهلكه من موارد واستثمارات إمكانيات استخدام الطاقات المتجددة، خصوصًا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتوفرين في مصر، وبهذا يهدر فرصة تحقيق السيادة الوطنية على مصادر الطاقة ويُعرِّض البلد لتقلبات السوق والتحكمات الدولية فيها، ويؤخر مصر عن الانخراط مبكرًا في سوق الطاقة المتجددة، الذي توجهت بلدان مثل المغرب للانخراط فيه بقوة، والتصدير للدول الغربية واحتلال مكانة مميزة في هذه السوق الواعد.

لم تلتزم اللائحة سوى جزئيًّا فقط بالمعايير الأوروبية، رغم أن الحكومة روجت كثيرًا لتبني المعايير الأوروبية في استخدام الفحم، برغم أن الضرر يحدث في وجود هذه المعايير في أوروبا نفسها. ثم إن اللائحة أدخلت تعديلات أخرى عصفت بالمزايا التي حملها التحسن الجزئي في المعايير، وأسست لأوضاع تُنقِص حتى من درجة الحماية البيئية السابقة فرغم أن معايير انبعاثات الجسيمات الصلبة في الهواء قد تحسنت في اللائحة الجديدة عن السابق لكنها مازالت أعلى من المعايير الأوروبية الجديدة التي تم تخفيضها مؤخرا لتقترب من المعايير التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.  كما أن هناك عناصر أخرى خطرة مثل الكبريت والنيتروجين، سمحت فيها المعايير الجديدة بمعدل انبعاثات يساوي حوالي ضعفين أو ثلاثة أضعاف المعايير الأوروبية ، مع العلم بأن الفحم أعلى أنواع الوقود التقليدي في نسبة الكبريت، ويزيد المشكلة في هذا الصدد أن اللائحة ألغت أيضًا نصًّا كان يمنع استخدام الوقود عالي الكبريت في المناطق السكنية.

وقد جاءت الصدمة الكبرى في إلغاء نص يحظر بشكل باتٍّ استخدام الفحم الحجري والوقود الثقيل في المناطق السكنية، واستبدلت به نص آخر يسمح باستخدامه في المناطق السكنية بتصريح من رئيس مجلس الوزراء في "حالات الضرورة والصالح العام"! وفي الحقيقة يصعب تصور بواعث "الضرورة والصالح العام" التي قد يراها السيد رئيس الوزراء، التي تسمح بالتضحية بصحة وحياة السكان المجاورين لهذه المصانع، ويمنع نقلها بعيدًا عن السكان مثلًا، حماية لهم وصيانة لأموال الدولة التي ستنفق على علاجهم، وما هي آليات المساءلة التي تحمي السكان وتمنع الانحياز إلى مصالح أصحاب المنشآت ونفوذهم القوي، وخصوصًا أن المصانع الواقعة في المناطق السكنية تبدو واثقة من الحصول على هذه الموافقة، حيث شرع البعض منها بالفعل في تعديل التقنيات للتحول إلى الفحم قبل صدور اللائحة أصلًا.

ويزيد الوضع خطورة، أنه مع التصريح بمعايير عالية لبعض الانبعاثات الخطرة مثل الكبريت والنيتروجين، ومع التصريح باستخدام الفحم في المناطق السكنية، أن اللائحة أعطت للمنشآت فترة سماح طويلة للغاية، تبلغ 5 سنوات لمصانع الأسمنت، لتوفيق الأوضاع، تستمر خلالها المنشآت في الالتزام بالمعايير القديمة، في خطوة تفرغ تشديد المعايير من جدواها تمامًا. كما تساهلت اللائحة ثانية مع المنشآت حيث امتثلت للمعدلات العالية من استهلاك الطاقة في صناعة الأسمنت في مصر، التي تزيد معدلات الاستهلاك فيها عن المعدلات الأوروبية في استهلاك الطاقة بمتوسط حوالي 28 %، وأهدرت فرصة إلزام المنشآت بتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، لتوفير الطاقة وتوفير عبء التلوث.

في النهاية ورغم أن اللائحة أدخلت بعض التعديلات الجيدة في المعايير ورغم أهمية تحديد معايير جيدة للملوثات البيئية فمن المعروف أن الحفاظ على البيئة لا يتحقق بمجرد تشديد المعايير، خصوصًا في ظل الالتزام البيئي الضعيف من قبل المصانع، التي تسجل مخالفات عالية حتى قبل استخدام الفحم، وفي ظل درجة التهاون في إنفاذ القانون إلى الدرجة التي نجد فيها منشآت تعمل لسنوات دون ترخيص ودون تنفيذ الأحكام والعقوبات المفروضة عليها، وفي ظل الحاجة إلى بناء القدرات البشرية والمادية والعلمية لجهات المراقبة والحماية البيئية.

ويزيد من خطورة المسألة أن حمل تلوث البيئة في مصر كبير بالفعل، وهو أضعاف مثيله في الدول المتقدمة، بل إن مصر تحتل مرتبة متأخرة عند المقارنة بمثيلاتها من الدول، فقد أوضحت دراسة أجريت عام 2008، أن التكلفة السنوية لتدهور بعض عناصر البيئة في مصر بلغت 5.6 بمليار دولار وأن هذه الكلفة كانت الأعلى في كل الدول العربية.

ولعل أهم ما خلت منه اللائحة وتخلفت فيه عن المعايير الأوروبية هو العنصر المتعلق بإتاحة المعلومات والشفافية والمشاركة الفعالة للسكان وضرورة أخذ رأيهم في الاعتبار، عند التصريح بمشروع أو تجديده أو سن قانون وتعديله. وكان أجدر باللائحة أن تتبع هذه الشروط التي تفرد لها المعايير الأوروبية فصلًا خاصًّا، بدلًا من التوسع في الاستثناءات الإدارية وإقصاء المجتمع، فالسكان والمجتمع وتنظيماتهم هم أصحاب المصلحة في مراقبة التزام المصانع والمنشآت وفي تأكيد حيادية وحسن أداء جهات المتابعة والمراقبة وهم الضامن الأصيل لحماية البيئة.

وتطالب المنظمات الموقعة أدناه بعدم التوسع في استخدام الفحم وقصرها على صناعة الأسمنت تحديدًا، وعدم التعاقد على إنشاء مزيد من محطات توليد الكهرباء، كما تطالب بتعديل معايير جميع الملوثات لتطابق المعايير الأوروبية، بما في ذلك تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وعدم السماح مطلقًا باستخدام الفحم في المناطق السكنية، ووضع آليات فعالة لإتاحة المعلومات وضمان المشاركة الفعالة للسكان ومنظمات المجتمع المدني في صنع القرار وفي المراقبة على التنفيذ.

 

المنظمات الموقعة:

1- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

2- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

3- المركز المصري للإصلاح المدني والتشريعي.

4- جمعية التنمية الصحية والبيئية.

5- مجموعة 350 مصر.

6- حملة مصريون ضد الفحم.

7- مؤسسة التعبير الرقمي العربي (أضف).

8- جمعية عين البيئة.

مرفق نسخة من البيان متضمنة المصادر