البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الأعمار يتمسك بالخصخصة كما كانت قبل ثورة يناير... البنك الأوروبي يصدر تقييما فنيا للحالة في مصر يشير إلى إستراتيجية تخلو من التنمية الإنسانية كهدف

بيان صحفي

7 مارس 2012

أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تحليلا عن التقييم الفني للتنمية والتحول الديمقراطي في مصر، والذي أصدره البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار (EBDR) شهر فبراير الماضي. وتعد وثيقة التقييم بمثابة إستراتيجية عامة للمشروعات المستقبلية المحتمل تمويلها في عدد من المجالات المقترحة. يدعي التقييم التزام البنك لشعاري دعم التنمية والتحول الديمقراطي في مصر ما بعد ثورة يناير، ولكن تكشف قراءة معمقة لتقييم البنك الأوروبي عن ضعف التزامه بأي من الشعارين. كما يتطرق التحليل لإستراتيجية البنك للاستثمار في عدد من المشروعات المستقبلية في مجالات اقتصادية معينة.

ويفيد عمرو عادلي مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية بأن "متابعة ومراجعة وتقييم ما تصدره المؤسسات المالية العالمية من إستراتيجيات وتقييمات للوضع الحالي في مصر يكتسب أهمية خاصة لأسباب عدة يأتي على رأسها أن هذه المؤسسات هي الفاعل الوحيد على الساحة الذي يملك تصورا حول مسار التنمية والتحول الاقتصادي في مصر في ظل عدم وجود حكومة أو رئيس منتخبين، وفي ظل عدم وضوح رؤية اقتصادية محددة للأغلبية البرلمانية." وأضاف عادلي: "احتياج البلاد الآني للتمويل الدولي في صورة قروض ومنح لمواجهة أزمات السيولة والعجز في الموازنة ونقص العملة الصعبة سيجعل لهذه المؤسسات العالمية كلمة مؤثرة ومسموعة في صياغة وتطبيق السياسات الاقتصادية العامة وخاصة المالية والنقدية في المستقبل."

يبدو البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار في التقييم متجاهلا للجذور الاقتصادية والاجتماعية لثورة يناير 2011 وكذلك لتداعياتها إذ أن مفهوم البنك للإصلاح يستوي ببساطة مع مجرد التحرير الاقتصادي والخصخصة، وأبلغ دليل على هذا أن البنك الأوروبي يقيم الفترة السابقة على الثورة (2004-2008) باعتبارها فترة "إصلاحات شاملة" بل ونموذجا للنجاح في تحرير القطاع الخارجي، وهو بذا يتجاهل قدر الفساد والمحسوبية الذي غلب على عمليات الخصخصة ونقل الملكية العامة لأيدي القطاع الخاص خلال بيع الشركات العامة، وتخصيص الأراضي المملوكة للدولة بل وحتى تخصيص الموارد الطبيعية كحال المياه العذبة والغاز الطبيعي، والتي بمقتضاها اقتصر نقل الملكية العامة بشكل غير شفاف وغير نزيه -كما كشف القضاءان الإداري والجنائي فيما بعد - على مجموعة محدودة للغاية من المحاسيب المقربين من دوائر النظام السابق.

وعلاوة على ما سبق فإن ما يعتبره البنك في تقييمه قصة نجاح بخصوص تحرير القطاعات الخارجية من تجارة وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية يتجاهل ما شهدته السنوات الأخيرة من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي مهدت لاندلاع الثورة في 2011 بل بالإمكان القول أن الفترة بين 2004 و2010 قد شهدت أعلى معدل من الاحتجاج الاقتصادي والاجتماعي في تاريخ مصر الحديث من خلال إضرابات واعتصامات وتظاهرات في أوساط الموظفين والعمال ضد الفساد المستشري وسوء توزيع الدخل والانخفاض الشديد في الأجور الحقيقية للغالبية العظمى من المصريين.

تضرب دعاوى البنك الأوروبي بمزيد من الخصخصة على وتر حساس سياسيا واجتماعيا بالحديث عن "تحرير" القطاعات الخدمية والمرافق العامة من عينة مياه الشرب والطرق والكهرباء، وإتاحتها للتجارة علاوة على قطاعات كثيفة العمالة كالغزل والنسيج. وتجدر الإشارة إلى أن عمليات الخصخصة والتحرير التي طالت المرافق العامة في بلدان عدة في آسيا وأمريكا اللاتينية قد حملت نتائج كارثية على الأغلبية الفقيرة من المواطنين على نحو يجعل طرح هذه المسألة غير عملي من الأصل أمام أي حكومة تأتي بعد الثورة. وإجمالا فإن التقييم الصادر عن البنك الأوروبي لا يظهر اهتماما يذكر بالنتائج التنموية التي قد تنشأ عما يدعو إليه من مزيد من الخصخصة والتحرير خاصة في مجال مؤثر اجتماعيا كالمرافق العامة.

وكما هو الحال مع العديد من المؤسسات المالية العالمية فإن البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار قد اختار أن يتجاهل حقيقة أن ثورة يناير قد أدت لانهيار السلطوية، وترتب على ذلك رد السياسات العامة إلى المجال السياسي مرة أخرى حيث ستتحدد من خلال التفاعل بين الفاعلين السياسيين في المجتمع، وأن السياسات العامة لم تعد حكرا على ثلة يسيرة من الخبراء الحكوميين ومن المانحين والمقرضين الخارجيين. وفي هذا السياق، فإنه لم يعد ممكنا أن يعمل البنك بمقتضى الذهنية القديمة التي لا تلقي بالا لعمليات التسيس المتزايد للمصريين، واقتحام مجموعات اجتماعية متزايدة للمجال السياسي حتى تطرح مطالبها الاجتماعية والاقتصادية خاصة مع تراجع قدرة الدولة الأمنية على القمع والاستبعاد.

لقد شرع البنك الأوروبي للتنمية في تطوير قائمة بالمشروعات المحتملة التمويل في مصر في الفترة المقبلة، ولذلك توصي المبادرة المصرية أن تتقاطع مجالات الاستثمار المقترحة من البنك مع أولويات التنمية المحددة من قبل حكومة مصرية منتخبة وديمقراطية. ولن يكون بالإمكان تحديد مثل هذه الأولويات في أعقاب ثورة يناير بدون عقد حوار اجتماعي واسع وديمقراطي ومؤسسي تعبر من خلاله مختلف الفئات الاجتماعية، لاسيما التي كانت مهمشة ومستبعدة من قبل، عن مطالبها ومخاوفها وآمالها، وإلا انتهى حديث البنك الأوروبي عن التنمية إلى إعادة طرح أفكار بالية قديمة في ثوب قشيب.

يمكن الاطلاع على التحليل بالضغط هنا.