السيدة لم تهاجم الإسلام وآلان جريش لم يدافع عنه

9 أكتوبر 2016

ربما بدا المشهد مقلوبا بالنسبة للبعض، الكاتب الأوروبي الذي يتحدث العامية المصرية بلكنة واضحة يهاجم ويفند بحرارة خطاب «الإسلاموفويا» في أوروبا بينما تميل معظم تعليقات حضور ندوته من المصريين إلى عدم التهوين من خطورة «الصعود الإسلامي» على اختلاف معانيه، على مستقبل أوروبا والعالم، بل على مستقبل البلاد «الإسلامية» نفسها.

«الإسلام وكارهوه في أوروبا» كان عنوان اللقاء مع آلان جريش، الكاتب والصحفي الفرنسي المهتم والمتخصص في قضايا الشرق الأوسط، الذي سعدت بإدارة الحوار فيه الأسبوع الماضي ضمن فعاليات «منتدى الدين والحريات»، والذي احتدم فيه النقاش بين جريش وبين بعض الحضور إلى الدرجة التي دفعت أحدهم أن يقول له مباشرة: «أنت منحاز للإسلام ضد الثقافة الأوروبية!».

جريش، المولود في القاهرة لأب من أصول يهودية هو هنري كورييل أحد مؤسسي الحركة الشيوعية المصرية، حاول مبتسما أن يؤكد على ما لا يحتاج للتأكيد عليه: أن خوضه للنقاشات الغربية عن «المسلمين» والقضية الفلسطينية هو بسبب الظلم الواقع عليهم، ورفضه للدعاية التي يروج لها بعض رجال السياسة والإعلام في الغرب أن الصراع الآن هو بين «الإسلام والغرب» أو أن الأزمة السياسية الأساسية لأوروبا هي المسلمون.

كان جريش واضحا في التعبير عن موقفه أنه ليس «دفاعا عن الإسلام» عندما قال: «الإسلام ليس دين عنف» ولكنه لم يتوقف هنا كما يفعل أنصار «الدعاية الإسلامية» فأضاف: «ولا هو دين سلام»، موضحا أنه يمكن الاستناد إلى القرآن وإلى التراث الإسلامي لكي يتم تبرير هذا أو ذلك، مضيفا أنه لا يرى «إسلام» واحدا يمكن الحديث عنه، ولكن الأصوات التي تروج لخطاب الكراهية ضد المسلمين في العالم ترى أنه إسلام واحد كما أنها تضع كل ذوي الأصول الإسلامية أو الأسماء الإسلامية أو القادمين من الشرق الأوسط في سلة واحدة كبيرة تسمى «المسلمين» وتطلق عليها الأوصاف والأحكام. وحكى أن له صديقا ملحدا ولكن بسبب أصوله فالكثيرين مصممون على التعامل معه كمسلم ولذلك أصبح يعرف نفسه قائلا: «أنا مسلم ملحد!».

بعض من يعجبهم ردود آلان جريش على الخطاب اليميني الأوروبي لن يعجبهم أن يروا هنا الوجه الآخر لهذه المشكلة هنا في «البلاد الإسلامية» التي بها أيضا «مسلمون ملحدون» مجبرون بقوة القانون على أن يظلوا في سلة «المسلمين» لأن الحكومات والمجتمعات والمؤسسات الدينية التي تحتكر «الإسلام الصحيح» تعتبر أن بقاء الأغلبية على الإسلام السني أحد أركان النظام العام واستقرار المجتمع والدولة، وتحذر من خطر الاتجاهات الدينية المختلفة عن الأغلبية- الإلحاد، اللادينية، التشيع، البهائية وغيرها – على نسيج المجتمع وعلى هويته، وهي تماما نفس تحذيرات خطاب «كراهية المسلمين» في الغرب: «المسلمون أفكارهم غريبة عنا وتهدد نسيجنا القومي وهويتنا».

في نفس المكان الذي جلس فيه آلان جريش استضاف المنتدى في مارس 2015 أربعة من الشباب البارزين من أصحاب الصفحات المعبرة عن مجموعات من الملحدين واللادينين في مصر، كان اللقاء بعنوان «من يقف ضد حريتنا في أن نكون مواطنين غير مؤمنين؟»، الضيوف الأربعة الآن جميعهم تركوا أماكن سكنهم بعد تهديدات أو إيذاء مباشر من جانب أجهزة الدولة أو من المجتمع، أحدهم غادر مصر وثلاثة تركوا مدنهم إلى مدن أخرى.

هل ما حدث ويحدث معهم هو ما يأمر به الإسلام الصحيح أم إسلام مغلوط؟

لا يهم، ولكن ما حدث ويحدث معهم هناك يقول إن التيارات الأساسية التي تشكل تفكير وممارسة قطاعات واسعة من المسلمين المعاصرين تميل في هذا الاتجاه، وهي الأكثر تأثيرا في الصورة النهائية لما عليه «البلدان الإسلامية». وهذا ما أراه يصلح مدخلا للنقاش حول الفكرة التي ارتكز عليها آلان جريش وهي أنه لا يوجد إسلام واحد هو عبارة عن انعكاس ضروري للنصوص الإسلامية والتاريخ الإسلامي لنقول هذا هو الإسلام فعلا، ثم نبدأ في مناقشته، الدفاع عنه أو مهاجمته.

يبدو لي أنه بدلا من مناقشة الإسلام كفكرة يمكن أن نتناقش حول ما عليه المسلمون فعلا، حول التيارات السائدة والمهيمنة والمؤثرة على قطاعات واسعة من المسلمين، مع الأخذ في الاعتبار أن قطاعات واسعة أخرى من المسلمين تفكر وتتحرك في المجال العام من منطلقات أخرى بعيدا عن كونهم مسلمين وبعيدا عن هذه التيارات وأفكارها.
يمكننا بوضوح أن نرى تيارات سائدة في الإسلام السني والشيعي، تمثلها مرجعيات عريقة، في مصر والسعودية وإيران على الأخص، هي مراجع لطلب العلوم الدينية والحفاظ على جانب معين من التراث الإسلامي، أو في المقابل حركات إسلامية واسعة الانتشار ولها مؤيدون حول العالم، هذه المرجعيات والحركات تتفق فيما بينها على أنها ترغب بأشكال مختلفة أن يكون الإسلام أحد أسس ممارسة السلطة أو تمارس ذلك بالفعل، سواء بتأييدها للحكومات السلطوية القائمة في «البلدان الإسلامية» وإعاقتها عمليا لمشروعات التحرر والمساواة في بلدانها حفاظا على «الهوية الإسلامية، أو بكونها في خانة المعارضة تهاجم الاستبداد القائم ولكنها تسعى لتأسيس«سلطوية إسلامية» بديلة.
الجهود السياسية أو العلمية أو الدعوية لهذه المرجعيات والحركات تجعل فعلا من الأصوات الأكثر ظهورا والأكثر أتباعا من «الإسلام المعاصر» خطرا مهددا ومضادا لجهود من يريدون ممارسة السياسة وإدارة المجتمعات على أسس مختلفة بعيدا عن الاستبداد أو التسلط الديني، بما فيهم القطاعات الأخرى من المسلمين أنفسهم، كما أن هذه المرجعيات والحركات تساهم فعلا في جعل العالم مكانا للمباراة التي يقترح جريش ألا نشجعها وننضم إليها: «صراع الإسلام والغرب».
اليمين الغربي يرى في «انتشار الإسلام» غزوا إسلاميا يجب مقاومته، والمؤسسات الدينية الكبرى السنية والشيعية ومعها «الحكومات الإسلامية» ترى أن «انتشار الإلحاد» هو غزو فكري غربي يجب مقاومته، والمقاومة هنا ليست بالجدال الفكري وحده، ولكن بقوة القانون وتقييد حدود «حرية الاعتقاد» و«الحرية الشخصية» من أجل «حماية الهوية».
في وسط هذه المبارة، وبالنسبة للكثيرين من مؤيدي المرجعيات الإسلامية الكبرى، سواء المؤسسات الرسمية أو الحركات المعارضة، فإن أمثال جريش هم «المنصفون من الغربيين الكفار الذين يدافعون عن الإسلام رغم أن بعض أبنائه يهاجمونه».
كمثال قريب ومبتذل لذلك يمكننا أن نرى تغطية موقع «الجزيرة مباشر» للندوة التي جاءت بعنوان «صحفي فرنسي يرد على سيدة هاجمت الإسلام».
السيدة لم تهاجم الإسلام وإنما هاجمت ميل كثير من المسلمين لعدم قبول الاختلاف الديني ومنهم الإخوان المسلمون، ورد جريش لم يدافع عن الإخوان ولا عن الإسلام، ولكنه انتقد الاستبداد والسلطوية وأشار إلى مشكلة الهيمنة الدينية في البلدان الإسلامية، وكان رده مركزا على حجتها «الإخوان أخرجوا أنفسهم من النسيج الوطني»، وهي الحجة الشبيهة بحجج اليمين الأوروبي الذي يبرر الانتقاص من حقوق من هم مختلفون عن «النسيج القومي الأوروبي».
التغطية المبتذلة والدالة على قطاعات واسعة من تفكير «الإسلاميين السلطويين» والمتعاطفين معهم التقطت حجة يمينية وقدمت لها تغطية وعنوانا يصوران ما يحدث في مصر أيضا باعتباره «هجوما على الإسلام». وبالتالي يضعان جريش وكلامه في خانة «الدفاع عن الإسلام»، وهي الطريقة المفضلة لكل من «اليمين الأوروبي» و«اليمين الإسلامي» لرؤية الأمور.
على العكس كان ما يهمّ جريش في مداخلته التأكيد على أن يرى الناس ما يحدث في ساحة السياسة، ليس باعتباره «صراعا بين الإسلام وخصومه» أو «صراعا بين الهوية الأوروبية وخصومها»، ولكن هو صراع بين قوى الديمقراطية والمساواة وقوى الاستبداد والتسلط والضيق بالاختلاف سواء هنا أو في أوروبا.

تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 8 أكتوبر 2016